الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الخلفية التاريخية لنبوءة اشعياء ( يولد لنا ابناً ويدعى إسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً )
ابرام لويس حنا
2020 / 7 / 7العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بداية تختلف التفاسير الأكاديمية لأشعيا ( 8 : 21 - 9 : 7) ، بشكل كبير فيما بينها في عدد من القضايا ، حتى في ترجمة الأعداد ، خصوصاً في العدد 9 :1 ، حيث نجد إن تركيب الجملة العبرية و المعنى غير واضح ، و أيضا أزمنة الأفعال هي موضع سؤال و بحث ، وهل هي تتوقع أحدث مستقبلية أم تعكس أحداث تمت في الماضي؟
وأيضا وحدة الأعداد ( 8 : 21 -9 : 7) هي محل للخلاف، فبينما يتفق معظم المفسرين على وجود نقلة مميزة و فاصلة بين الأعداد ( 8 : 21 -22 ) و بين العدد ( 9 :1) ، إلا إنه هناك يوجد رأي آخر يُلحق العدد ( 9: 1) بالأعداد ( 8 : 21 -22 ) كوحدة واحدة، وما اذا كانت الأعداد بداية من 9 :1 و 2-7 تعتبر جزء واحداً لا ينفصل من الخطاب الأصلي الذي كتبه اشعيا أم لا ، و بناءاً على هذه المشاكل التي تتعلق بتأليف و لأي زمن تعود تلك الاعداد، تراوحت الآراء بين جانبين هما :
أ) أن كل المقطع يُنسب إلى فترة أشعياء.
ب) أن الفقرة (9: 1- 7) تعود كاتب ما بعد فترة السبي.
و أخيرا هناك خلاف كبير حول تحديد هوية الطفل الملكي الذي ذكر في العدد ( 9: 6) فهناك مُقترحات بان ذاك العَدد يشير إلى الشخصية المسيانية الذي سيأتي فيما بعد في المستقبل ، و هناك مقترحات أخرى تقترح إن ذاك العدد يشير لميلاد (أمير/ مَلك) جديد لبيت داود ، وهناك مقترحات أخرى تقترح علينا إن تلك الأعداد تشير إلى ملك بيت داود الحالي الذي اعتلى العرش منذ وقت قريب ، والذي هو إما الملك حزقيا ابن آحاز أو حتى الملك يوشيا بن آمــون ، بالطبع الإجابة على هذا السؤال من الواضح إنها تعتمد جزيئاً على ما اذا كانت تلك الأعداد بالفعل تنسب إلى اشعياء ، ولو بالفعل تنسب إليه ، كيف نستطيع أن نقيم موقف اشعياء تجاه ملوك بيت داود المُعاصرين له؟
المَنهج التفسيري :
--------------
ما سيتم تفسيره هنا للأعداد ( 8 : 21 - 9 : 7) ، هو يختلف بشكل قطع عن كل التفسيرات القديمة ، و نقول إن تلك الأعداد تشكل خطاب واحد أرسله أو قاله نبي القرن الثامن على مستمعيه من بني أورشليم، و ذلك أثناء انقلاب (فاقح /فَقح פֶּ֨קַח ابن رمليا ) في عام 736/5 ، ثم تحرك أحاز للانفصال و الاستقلال عن المملكة الشمالية ، فاشعياء يحتفل في خطابه بتأكيد هذا الاستقلال ، متنبأ باستمرار الخير على مملكة داود، و أيضا ذاكراً وعوداً إلهية بالتأييد والمُساندة.
يُمكن تقسيم هيكلة Structure الخطاب إلى ثلاث أجزاء:-
-----------------------------------------------------
أ) وصف انقلاب "فاقح" على إسرائيل ( 8 : 21 -22)
ب) تصريح مُقتضب عن المستقبل المشرق لأورشليم و / أو يهوذا ( 9: 1 أ)
ج) احتفال آحاز بالاستقلال عن إسرائيل و الوعد بالأمان الدائم لحكم مملكة داود ( 9: 1 ب -7 )
أشعياء 8 : 21 -22
-------------------------
غالباً ما يُعتقد أن الأعداد 21 - 22 بانها تصف الأحوال و الظروف القمعية و الاستبدادية التي انتشرت في الأرض بإسرائيل بعد الحملات الآشورية في 734 - 732 ق.م ، أو بانها تصف ما حدث في يهوذا بعد التدمير البابلي لأورشليم في 586 ق.م.
لكن تفسيرنا المُقبل هو يعتمد بشكل أساسي على التطورات السياسية في إسرائيل التي حدث خلال عام 736/5 وذلك اعتمادا على ترجمة العدد بشكل صحيح ، ولهذا في البداية سوف نناقش ترجمة العدد التصحيحية:
ملحوظة: ما بين أقواس بهذا الشكل () فهي بديل عن الكلمة المُترجمة السابقة، إنما إن كانت الأقواس بهذا الشكل [] فهي إضافة على النص للتوضيح، و سيتم توضيح سبب إضافتها في الشرح.
النص:
-----------
(21) وعبر فيها [في الأرض] شرساً ( أو عنيفاً أو قاسياً أو غليظاً) [1] جائعاً [للسلطة] ، وفي شرهه (أو نَهِمه أو جوعه) استشاظَ غضباً ،و يثور على ملكه و إلهه و يلتفت للأعلى ( أو إلى فوق) [إلى السامرة] [2]
(22) و وضع عينيه ( أو سلط عينيه) على الأرض [إسرائيل]، ونظر، فإذا هناك ضيق (أو شدة) و ظلمة، ظلمة الضيق و النكبة المنتشرة [3]
التَحليل:
-------
إن الجملة الافتتاحية (وعبر فيها) هي غامضة بشكل غريب "عبر فيها וְעָ֥בַר" ، فلم يحدد النَبي هنا ولا حتى فيما بعد بوضوح من الذي قام بهذا الفعل ، وبالتالي هذا يجعلنا نفترض إنه يُصور لنا موقف عام من الضيق والمعاناة تعرفه الناس ، أغلبية المفسرين يغيرون الضمير الغائب هنا من المفرد إلى الجمع أي من "عبر" إلى " عبروا" ، و لكن من المُرجح إنه يقصد شخصية مُعينة و هو "فاقح" ، وذلك لأن ”فاقح“ ملك على جلعاد لعدة سنوات ( 737 - 732 ق.م) ، والذي نجح في سنة 736/5 بمساعدة خمسين رجل من بني جلعاد في اغتيال الملك السابق "فقحيا بن منحيم" ، و تولى "فاقح" الحكم في السامرة ( 2 مل 15 : 25) ، لهذا فيحتمل إن اشعياء في 8 :21 أ يشير إلى عبور "فاقح" و المتآمرين معه من ( Transjordan شرق الأردن ) [4] إلى المملكة الشمالية.
يصف أشعياء "فاقح" على إنه "شرساً جائعاً נִקְשֶׁ֣ה וְרָעֵ֑ב" ، وقد جاء أول مصطلح (شرساً) على وزن (نِـــفعـَـل niphal) للفعل (كشا קָשָׁה) مرة واحدة في كل الكتاب العبري على هذا الوزن ، والمعنى الأساسي للفعل (كشا קָשָׁה) هو " أن يصبح صعباً (يتصلب)، ،أن يصبح قاسياً (يتقسى)" ، والمشكلة التي نراها هي أن كثير من المترجمين ترجموا الكلمة إلى "متضايق " أو "مكتئب أو بائس" أو ما يشبه تلك الكلمات التي تعبر عن الضيق والمعاناة وجعلوها نعتاً أو صفة ، وهذا ما لا تقوله الكلمة، ولهذا نقترح ترجمة كلمة ( נִקְשֶׁ֣ה نِكِشه) والتي جاءت على وزن "نِفعل" بمعناها المُطاوع وهو "إنقوى/ إنشره "[5] أو بصيغة المبني للمجهول " قوىَّ أو تصلب أو قاسياً أو متصلباً "، سواء تعاملت مع الكلمة بمعناها المًطاوع أو المبني للمجهول فإن المعنى واحد ، وهو ( التصلب والقسوة) عن قصد وذلك للإطاحة بحكم الملك السابق لإسرائيل "فقحيا" .
و بناءاً على هذا التفسير يجب بالتالي اعتبار ثاني مصطلح ”جائعاً“ بالمعنى المجازي له فـ ”فاقح“ كان "جائعاَ" للسلطة في جملة (قاسياً جائعاً) ،و عندما نستكمل العدد ”وفي شرهه أو نَهِمه أو جوعه יִרְעַ֜ב) كذلك أي أن ” فقاح “ كان جائعاً للأرض و السلطة ، وفي النهاية "يُستشاط غاضباً أو ويأخذه الغضب וְהִתְקַצַּ֗ף "، أي بسبب رغبته في الأرض و السلطة أصبح غاضباً ثائراً.
يستمر وصف انقلاب ”فاقح أو فقح“ على ” فقحيا“ قائلاً : " ويثورוְקִלֵּ֧ל على ملكه و إلهه [ أو آلهته ]" و قد جاء الفعل على وزن "فـعَّل" بتضعيف العين ، وهو من الفعل "قلل קָלַל" ، و الفعل يَعني عادة "لَعَن"، ولهذا فإن أغلبية المفسرين ترجموا الفعل باللـعن كالتالي " ويلعن ملكه وإلهه" ولكن تلك الترجمة لا تعكس تركيب الجملة العبرية بدقة ، فلو كان بالفعل "ملكه" و "إلهه" لعنوا ، فمن المفترض أن يكونوا في حاله نصب Accusative، لكن هنا في 8: 21 ، سبق الإله حرف الجر "الباء ב"" لتكون الجملة مُكونة من ”جار ومجرور“ وليس مفعول به منصوب ، وهذا لا يلائم المعنى ولا حتى التركيب النحوي ، و حل تلك المشكلة يكمن في فهم اللفظ العبري بالتوازي مع اللفظ الأكادي Qullulu والذي يعني " أساء إلى أو تمرد و ثار" ( قارن تلك الترجمة مع ترجمة الترجمة الجديدة اليهودية NJPSV) [6]، في تلك الحالة يُمكننا اعتبار حرف الجر هو حرف Adversative أي ذات معنى استدراكي [7] ويعني "ضد" ، ولهذا فإن العدد ذات معنى سياسي واضح يشير إلى مؤامرة فاقح .
مُشكلة مَطروحة:-
------------
من المفترض أن الضمير الغائب في "ملكه" يعود على الملك "فقحيا"، ولكن لو حكم "فاقح" بشكل مُستقل في جلعاد لعدة سنوات ، فالطبع سيكون غريباً ان يعتبر أشعيا أن "فقحيا" هو ملك ”فاقح أو فقح“.
الحلول المُقدمة:
-----------
(1) افتراض أن سلطة "فاقح" في جلعاد كانت في الأساس تحت رعاية وكنف الملك الإسرائيلي : يربعام الثاني ، الذي عين "فقح" ضابطاً على المنطقة ، و في قرب نهاية حكم يربعام ، انشق عنه "فقح" بدعم سوري بلا شك ، وذلك من أجل الانفراد بالحكم في جلعاد. ولهذا فليس مفاجأة أن السجلات الملكية الإسرائيلية لا تذكر هذا [8] و ليس مفاجأة جهل أشعياء بالامر أو عدم اعترافه بالأمر ، حتى ما قام وهجم على "فقحيا" ، لهذا نظروا إليه على انه تابع خائن لفقحيا فنقرأ في سفر الملوك الثاني : ”فثار عليه فقح بن رمليا قائد حرسه وهاجمه مع خمسين رجلا من بني جلعاد، في برج قصر الملك بالسامرة، فقتله وملك مكانه“ ( 2 مل 15 : 25)، ولاحظ ان اشعيا أطلق على "فقح" انه ”قائداً (שָׁלִישׁ֗וֹ شاليش) من قادة فقحيا"، ولهذا بنفس الطريقة فإن اشعياء يصف "فقحيا" بانه "ملك" فقح.
(2) تفسير آخر ، يمكن فهم إن الضمير الغائب في كلمة "ملكه" يعود على تغلث فلاسر الثالث Tiglath-pileser III ، فانقلاب "فقح" كان أيضا فعلاً ثورياً ضد الملك الآشوري، فأشور لم تهيمن فقط على إسرائيل ولكن أيضا على معظم الولايات السوري فلسطينية Syro-Palestinian states، وذلك بدءاً من ثلاثينات سنة 730 ، إن لم يكن قبل هذا، وبالطبع فإن سيطرة واحتلال "فاقح أو فقح" لإسرائيل كان تطور هام في الحركات المُعادية لأشور ، و بالتأكيد كان عامل هام حفز الغزو الآشوري عام 734.
ولو كان الحل الثاني هو الصحيح، إذا يجب أن ترجمة بقية العدد الى "وضد آلهته וּבֵאלֹהָ֖יו" أي وضد آلهة تغلث فلاسر الثالث ، حيث كُسر ”فاقح“ قسمه للآلهة الأشورية التي أدي القسم لها ، وذلك من خلال الإطاحة بحكم "فقحيا"، فإن "فقح" بدوره ثار ضد الملك الآشوري و أهان آلهته.
أما بالنسبة لتفسير العبارة الأخيرة من عدد 21 ( ويلتفت إلى الأعلى أو إلى فوق ) فغالباً ما يتم ربط بين هذا الجزء و بين مستهل العدد 22 ( كوحدة واحدة ) وانتهاء عدد 21 عند ( ويلعن ملكه وإلهه) ، ويترجمه أغلبية العلماء كما ذكرنا من قبل بصيغة الجمع وليس المفرد كالتالي : "ويلتفتوا إلى فوق ، وينظروا إلى الأرض" انظر مثلاً ترجمة(RSV) ، وبناءاً على هذه الترجمة (الخاطئة) يتم فِهِم إن سكان الأرض المتألمين و المنكوبين بحثوا أعلى (أي في السماء) و اسفل (أي في الأرض) عن علامة وشيكة أو إشارة عن تغير قدرهم، وذلك بسبب وجود تضاد بين كلمتي "الأعلى " و "الأرض" مما يعني إنها يشير ”للشمولية“ أي (انهم نظروا في كل مكان وكل الاتجاهات)، فطبقاً لهذه الترجمة فالنص يصف الظروف البائسة التي نظروها في الأرض بعد الغزو الأجنبي.
ولكن هذا التفسير يفترض أن العدد (22) هو ”نتيجة“ للعدد (21) ، حيث إنهم عندما نظروا "للأعلى" و "للأرض" رأوا فقط الضيق والظلام، ولكن مرة أخرى ، فإن هذا التفسير يعتبر الضمير الذي في مَحل رفع الفاعل بصيغة الجمع وليس المفرد، ، ولكن بناءاً على رؤيتنا بان النص يشير إلى "فاقح / فقح" ، فيجب اذا ترجمة النص بشكل أكثر سياسيةَ ، وبالفعل هناك احتماليين لتغير الجزء الأخير من العدد 21 ، كالتالي:
(1)" ”اتجه للخيانة לְמָֽעְלָה “ ولكن هذا يفترض أن الكلمة العبرية ( מַעַל مَأل ) مُشتقة من الفعل العبري ( מָעַל مَغَل) والذي يعني خان [9].
(2) أو ”التفت أو اتجه [ بمعنى ذهب ] للأعلى“
إن أول هذين الاحتمالين غير مُرجح بسبب إن الفعل מָעַל و الاسم المشتق منه ، يُذكرا غالباً في النصوص المتأخرة [10]، والاسم يأتي كمفعول مُطلقcognate accusative بصورة غالبة، و لهذا فإننا نتبنى القراءة الثانية و نفهمها على إنها إشارة إلى تحرك "فاقح/فقح" للناحية العليا (للأعلى) ناحية التل المركزي للدولة وهي السامرة ، ولهذا فإن ( 2 مل 15: 25) يذكر لنا إن الانقلاب حدث في العاصمة ”السامرة“.
هكذا أيضا العدد (22أ) ( ونظر للأرض) يشير إلى احتلال "فقح" لإسرائيل، الفعل المستخدم هنا في العبارة وهو נָבַט (نافات) والذي يعني بصورة عامة "نظر" ، ولكنه يستخدم للتعبير عن النظر بحسد أو برغبة ، ولدينا على هذا امثله مثل : ”وتبصر عيني بمراقبيّ“ ( مز 92: 11) ، ”وترى خصمك يخدم في المعبد وتنظر بعين الحسد إلى جميع الخير الذي أحسن به إلى بني إسرائيل“ ( 1 صم 2: 32)، ولهذا فنحن نقترح ترجمته الى " نصب عينيه" للإشارة إلى رغبة ”فاقح“ لاحتلال أرض إسرائيل .
في العدد (22ب) (فإذا هناك ضيق (أو شدة) و ظلمة، ظلمة الضيق و النكبة المنتشرة ) ، يصف أشعياء النتائج والعواقب الوخيمة لانقلاب "فقح" في المملكة الشمالية، ولكن من المُحتمل أن النبي يُضخم من الأمور حين ثار الإسرائيليين على ”فقح“ ، وذلك لأن الكثيرين من الإسرائيليين رغبوا بلا شك في تغير عجلة القيادة، و بكل تأكيد لم يكن هناك مفر من الفوضى و الإجراءات القمعية التي قام بها الملك الجديد لتثبيت و إرساء سيطرته على كل البلاد بأكملها ، و من المحتمل قيامه بتعقب و إعدام الذين كانوا مؤيدين لــ"فقحيا"، و اشعياء هنا يُبالغ في الكارثة (الضيق) لأغراض بلاغية، فهدفه النهائي هو تسليط الضوء على مدى إيجابية قدر آحاز و مملكته بالمقارنة مع حكم النظام الإسرائيلي الذي سبقه.
وأخيراً هناك سؤال يتطلب أخير يتطلب منا بعض التعليق:
- هل الأعداد 21 و 22 تفترض وجود مادة "قديمة" ضائعة؟ ، فالإشارة المجهولة بـ "هو" و أيضا الإشارة المجهولة " لأرض إسرائيل" بـ (فيها) (فيعبر فيها) في العدد 21، آلا تلك الإشارات كافية لتوضح لنا إننا نتعامل مع أجزاء أو شظايا فقط !.
الحل:
------
هناك أماكن أخرى يبدأ فيها اشعياء تعليقه على الأحداث السياسية بنفس الطريقة ،فمثلاً عندما يقول اشعيا ( ويزول...نيرهم عن رقبتك ،و وصلت جيوشه إلى عيات) ”اش 10: 27ج -28أ“ ، والتي فيها يعلن النبي وصول الجيش السوري الغازي و جيش إسرائيل من السامرة إلى عيات، و لو كان انقلاب "فقح" حدث مؤخراً، فالنبي يفترض ألفة و اعتياد من مستمعيه على الحدث و لهذا يمكن ان يبدأ ببساطة قائلاً " عبر فيها" ، ، فسكان أورشليم و بيت داود كانوا يستطيعون بكل سهولة ان يشعروا و يعرفوا من الذي يقصده النبي.
أشعياء 9 : 1 أ
-------------------
غالباً ما يشك المفسرين على أصالة تأليف أشعياء للعدد ( 9 : 1أ) ، وغالباً يعتبروه حاشية مضافة على العدد ( 8: 22 ب) فيما بعد أو على انه حلقة وصل من المحرر المتأخر للربط بين الصورة المُظلمة في الأعداد 21-22 و بين الإعلانات المليئة بالأمل في 9 : 1-7، والسبب في هذا الرأي إنه بالفعل تعتبر تلك الجملة جملة انتقالية ، ولكن ليس هناك أي سبب لكي ننسبها إلى مُحرر متأخر ، ولكن على العكس فهي تشكل نقطة تحول حاسمة في العرض الذي يريد أشعيا عرضه ، فبعد انقلاب "فقح" وما نجم عنه من تداعيات في المملكة الشمالية ( 8: 21-22) ، تحول تركيز النبي الآن للتركيز على المملكة الجنوبية لآحاز( 9: 1-7) ، حيث قام بعقد مُقابلة بين مصير المملكة الشمالية والجنوبية ،و بدأت المقارنة باستخدام بأن أفتتح الجملة بأداة استدراكية Adversative وهي ( כִּ֣י لكن أو على الجانب الآخر )
يُلخص العدد (9: 1 أ) المستقبل المشرق لمملكة أحاز: " ولكن لا يكون ظلام للتي كانت في ضيق " [11] ، لكن لا يحدد اشعياء هنا ولا حتى فيما بعد من التي كان يقصدها بالإشارة اليها بقوله "للتي" ، ولكن من المحتمل كما سنعرف بعد قليل إنه إما كان يقصد أورشليم أو كل يهوذا.
وعند تفسيرنا للنص العبري ، وجدنا إنه هناك صعوبة في ترجمته بسبب الإشكاليات الموجودة في تركيب الجملة ، حيث نجد أن الكلمة العبرية التي ترجمت إلى "ضيق מוּצָ֣ק" تأتي بعدها جملة مكونة من ”جار ومجرور“ وهي "לָהּ֒ لها" ، والتي تعني "إليها to her" أو "لأجلها أو بسببها for her " ، ولو أخننا المعني الأول " إليها " فقراءة النص العبري حرفياً تصبح كالتالي: " ولكن لن يكون هناك ظلام للتي كان هناك لها ضيق" [12] ، ولكِننا إن كنا نريد ان نستخدم المعني الثاني (لأجلها أو بسببها ) فيجب علينا أولاً ان نفسر الكلمة العبرية מוּצָ֣ק على إنها فعل على وزن (hophal)[13] أي إنها " ضُيقت أو ظلمت oppressed" وعلى هذا تصبح الترجمة الحرفية: "و لكن لن يكون هناك ظلام للتي ضُيقت بواسطتها / بسببها"[14]، ولكن المعني يظل جوهرياً كما هو ، فالتي اضطهدت أو ضيق عليها "هي أورشليم أو يهوذا" ، بينما من ضيقها هو إسرائيل أو السامرة ، التي سيطر حكامها على مملكة داود "يهوذا" حتى لحظة انقلاب "فقح" و استقلال أحاز.
إن التطورات السياسية السبب في كتابة العدد ( 9 : 1 أ) من الصعب تحديدها بيقين مُطلق، فمن المحتمل أن انفصال آحاز عن إسرائيل هو الذي أدى لمثل هذا التصريح المُفعم بالأمل من اشعياء ، فقبل احتلال "فاقح" كان ملوك يهوذا (الداوديين) تابعين لملوك المملكة الشمالية (الشماليين) بطريقة أو أخري [15] وذلك لعدة أجيال. فالمصالح و السياسيات الخارجية لكلاً البلدين كانت متزامنة مع بعضها البعض ، فعندما رفض الملك ”منحيم“ ومن بعده ”فقحيا“ الانضمام الى رصين في ثورته ضد أشور، هكذا قام يوثام و آحاز برفض الحرب على أشور ومقاومة الضغط الآشوري، ومن المفترض انه على نفس المنوال عندما أخيراً انضمت إسرائيل لرصين في سنة 736/5 للحرب على أشور ، فإن المملكة الجنوبية تتبعهم وتفعل المثل ، ولكن هذا لم يحدث، فقد أنفصل أحاز و اعلن استقلاله بالإصرار على سياسة خارجية مُحايدة، و من المؤكد أن الملك الداوي (احاز) كان متذبذب في تلك المسألة حتى قيام الغزو (Syro-Ephraimitic السوري الإفرايمي) [16] ( انظر الإصحاح 7 : 1-7 ) ، و على الرغم من تلك العصوبة إلا إن نص ( اشعياء 8 : 21- 9: 7 ) يُعطيناً سبباً في التفكير وهو بكل بساطة إنه عندما أعلن أحاز لأول مرة انفصاله عن إسرائيل وذلك بعد بضعة أسابيع أو أيام من انقلاب "فقح"، أشاد النبي بالخطوة ، و أعلن عصر جديد من الرخاء.
أشعياء 1 ب- 7
----------------------
مقدمة:
-----
تحتفل الأعداد من ( 9 :1 ب- 7) بإسهاب باستقلال آحاز و وعد الله باستمرار دعمه لحكم بيت داود، فهي تفصيل لما سبق إعلانه، يمكن أن تقسيم الأعداد بطريقة واضحة إلى ثلاثة أجزاء وهما : (1 ب -3) تصف بشكل مُجمل فرح الشعب، ثم الأسباب التي أدت للاحتفال وللفرح في الأعداد ( 4- 6) والتي تصل في ذروتها في عرض الحالة السامية للملك ، ثم (العدد 7) والذي فيه يتنبأ الله بالحكم الأبدي لبيت داود و يختتم بتعهده بالدعم الإلهي.
التفصيل:
-------
يبدأ اشعيا وصف الوضع الجديد للشعب ، والذي ذُكر في العدد (2) ،إلا إنه يبدأ بتأمل في الأحداث السابقة ، وبالرغم من أن تفسير تلك التلميحات والتأملات هو أمر صعب بسبب أن التركيب اللغوي للجملة العبرية و معنى الأفعال و أزمنتها هي محل للنقاش وللجدال، الا إننا نقدم تلك القراءة :
النص:
--------
(1) كالوقت (أو في الزمان) [عندما] جلب (أو أدخل) الأول أرض زبولون و أرض نفتالي في الخزي (العار) ، و [عندما] جعل الأخير طريق البحر قاسياً (جافاً) من وراء (خلف) الأردن و جليل الامم [17].
(2) [أما الآن] فالشعب السائر في الظلمة رأي نوراً عظيماً ،والجالسون في أرض الظلام العميق أشرق عليهم نوراً (أو نوراً قد شع عليهم) [18].
تعتمد ترجمتنا السابقة على أربع قرارات وهي:
----------------------------------------
أولاً، يجب معرفة أن الأفعال التي ذكرت ، أتت في شكلها التامperfect وفي زمن الماضي.
ثانياً، كلاً من فعلى العدد الأول הֵקַ֞ל ، הִכְבִּ֑יד هما في توازي معنى ، و كلاهما يحمل معاني سلبية.
ثالثاً، كلمتي "الأول הָרִאשׁ֗וֹן" و "الأخير וְהָאַחֲר֖וֹן" هما الفاعل في الجملة هنا و يُشيرا إلى أشخاص مُحددين.
رابعاً، العدد الأول والثاني يعتبرا جملة واحدة ، حيث يبدأ العدد الأول بشبة جملة مكون من الجار والمجرور وهي "كالوقت כָּעֵ֣ת" والتي يُمكن ترجمتها إلى (عندما)، تستكملها الجملة الثانية (العدد 2) لصنع مقارنة بين الوضع القديم و الوضع الجديد للشعب المذكور في العدد الثاني.
تفصيل V.1
------------
بشكل عام يجادل العلماء على العدد 9 :1 يدور حول فقدان إسرائيل مساحة كبيرة من أراضيها للأشوريين و ذلك سواء أثناء أو بعد أزمة الحرب السورية الافرامية ( 734 -732)، ونجد ما يوازي هذا الأمر أيضا في سفر الملوك الثاني عندما يقول " فِي أَيَّامِ فَقْحٍ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، جَاءَ تَغْلَثَ فَلاَسِرُ مَلِكُ أَشُّورَ وَأَخَذَ عُيُونَ وَآبَلَ بَيْتِ مَعْكَةَ وَيَانُوحَ وَقَادَشَ وَحَاصُورَ وَجِلْعَادَ وَالْجَلِيلَ وَكُلَّ أَرْضِ نَفْتَالِي، وَسَبَاهُمْ إِلَى أَشُّورَ" (2 مل 15 : 29)، حيث يسجل هنا سفر الملوك أن الملك تغلث فلاسر الثالث استولي على جلعاد والجليل. وبالرغم من أن نص سفر الملوك يذكر أن هذا تم في عهد فقح إلا انه لا يذكر مِن مَن استولي على تلك المناطق ، وفي الواقع لقد فقدت إسرائيل هذه المناطق بوقت طويل قبل 734- 732 و لم تفقدها حقاً لأشور و لكن لسوريا و (أو) لحلفائها، وبناءاً على هذا التفسير و على ترجمتنا، فيمكن أن نعتبر أن أشعياء ( 9: 1) يعكس لنا تلك الفترة القديمة التي فيها قلت أراضي إسرائيل و اختزلت "إسرائيل العظمى" تدريجياً حتى لم يتبقى منها غير بقايا متمركزة في افرايم.
من هو الشخص الأول ؟
--------------------
و بناءاً على ترجمتنا ،وعلى ما سبق فإن الشخص "الأول" الذي أحضر أو "أدخل أرض زبولون و أرض نفتالي في الخزي و العار " قد يكون ”يربعام الثاني“ ، فأثناء سنين ملكه الأولى و في منتصف سنين حكمه ، تمكنت إسرائيل من التوسع في حدودها و الاستلاء على شرق الاردن والجليل و الساحل بالفعل ، ولكن في أواخر سنين حكمه ، عندما ضعف الوجود الأشوري في الغرب بشكل كبير ، بدأ السوريون و غيرهم الاعتداء على تلك المناطق، ولهذا تشهد رُؤًى عاموس على وجود مشاكل في عصر يربعام في جلعاد ، فالسوريين ، و بني عمون و بني إسرائيل كانوا يصارعون من أجل السيطرة على تلك المنطقة ، ويمكن تفصيل شهادة عاموس و صراع الثلاث فئات على المنطقة كالتالي:
أ) السوريين :
------------
”هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ دِمَشْقَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ دَاسُوا جِلْعَادَ بِنَوَارِجَ مِنْ حَدِيدٍ. ، فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى بَيْتِ حَزَائِيلَ فَتَأْكُلُ قُصُورَ بَنْهَدَدَ. ، وَأُكَسِّرُ مِغْلاَقَ دِمَشْقَ، وَأَقْطَعُ السَّاكِنَ مِنْ بُقْعَةِ آوَنَ، وَمَاسِكَ الْقَضِيبِ مِنْ بَيْتِ عَدْنٍ، وَيُسْبَى شَعْبُ أَرَامَ إِلَى قِيرَ، قَالَ الرَّبُّ“ ( عاموس 1 : 3- 5)
ب) بني عمون:
---------------
"هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ بَنِي عَمُّونَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ شَقُّوا حَوَامِلَ جِلْعَادَ لِكَيْ يُوَسِّعُوا تُخُومَهُمْ. فَأُضْرِمُ نَارًا عَلَى سُورِ رَبَّةَ فَتَأْكُلُ قُصُورَهَا. بِجَلَبَةٍ فِي يَوْمِ الْقِتَالِ، بِنَوْءٍ فِي يَوْمِ الزَّوْبَعَةِ. وَيَمْضِي مَلِكُهُمْ إِلَى السَّبْيِ هُوَ وَرُؤَسَاؤُهُ جَمِيعًا، قَالَ الرَّبُّ»." ( عاموس 1 : 13- 15) ،
ج) بني إسرائيل:
--------------
”لأَنِّي هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ، أُمَّةً فَيُضَايِقُونَكُمْ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي الْعَرَبَةِ“ (عاموس 6 : 14)
وعاموس نفسه يتوقع أن إسرائيل في النهاية ستفقد كل شرق الاردن :"«لأَنِّي هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكُمْ ....أُمَّةً فَيُضَايِقُونَكُمْ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى وَادِي الْعَرَبَةِ [19]»" (عاموس 6: 14) ومن المفترض أن انقلاب "فقح" بدأ ايضاً في نفس تلك الفترة.
وهناك أيضا نصوص حتى ولو كانت قليلة لكنها تشهد على المشاكل التي كان يواجها يربعام في المناطق الساحلية و الجليلية (الجليل)، و من امتلتها : ”هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ غَزَّةَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ سَبَوْا سَبْيًا كَامِلًا لِكَىْ يُسَلِّمُوهُ إِلَى أَدُومَ. ، فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى سُورِ غَزَّةَ فَتَأْكُلُ قُصُورَهَا ، وَأَقْطَعُ السَّاكِنَ مِنْ أَشْدُودَ، وَمَاسِكَ الْقَضِيبِ مِنْ أَشْقَلُونَ، وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى عَقْرُونَ، فَتَهْلِكُ بَقِيَّةُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ»." ( عاموس 1 : 6) و ايضاً "هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ صُورَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ سَلَّمُوا سَبْيًا كَامِلًا إِلَى أَدُومَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا عَهْدَ الإِخْوَةِ.فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى سُورِ صُورَ فَتَأْكُلُ قُصُورَهَا»."( عاموس 1 : 9- 10)
تشير النصوص السابقة الى أفعال وأعمال الفلسطينيين و الفينيقيين (الكنعانيين) [20] ضد أراضي و ممتلكات اسرائيل واراضيها على الساحل ، و يبدو أن كلا الشعبين كانا يعملا في تعاون و تخطيط وثيق مع سوريا ( استبدل كلمة أدوم بـآرام في كلاً من العدد 6 ، 9) [21]
و من المحتمل أيضا أن نص "هوشع 1: 5" ( وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَكْسِرُ قَوْسَ إِسْرَائِيلَ فِي وَادِي يَزْرَعِيلَ ) ، يعكس أيضا وجود مشاكل في الجليل ، و ينطق بحكم ضد سلاله ياهو، فمن خلال هذا القول الذي يتوقع أو حتى عندما يفترض فقدان إسرائيل لوادي يزرعيل فهو ضمنياً أيضا يذكر فقدان منطقة الجليل التي تقع في ناحية الشمال ، و نستشف من خلف كلمات النبي بأن سوريا قد تحدث سيطرة إسرائيل على المنطقة .
فنجد أنه بينما هوشع ( 1: 5) يتوقع قرب فقدان إسرائيل بالكامل للمنطقة ، فإن (أشعيا 9: 1) يعكس هذه الحقيقة كحدث تم ، ولهذا فإن " الشخص الأول" هو يربعام الثاني الذي احضر زبلون و نفتالي في "العار" .
من هو الشخص الأخير ؟
--------------------
بينما الشخص "الأخير" الذي" جعل طريق البحر [الساحل] قاسياً، من وراء الأردن [جلعاد] و جليل الأمم" هو من المحتمل ان يكون "منحيم" ، الذي ارتقي الحكم في السامرة بعد اشهر من الحرب الأهلية في الشمال ، لكنه لم يكن قادراً على تأمين حكمه ألا بعد صراع عظيم و بمساعدة أشورية ( انظر 2 مل 15 : 19 -20) ، كانت تلك الفترة فترة ضعف داخلي شديد لإسرائيل، وبالتالي كان الوقت مناسباً لسوريا و حلفاءها من الاستفادة من الموقف وتحقيق غزوات مبكرة داخل الأراضي الإسرائيلية، ومن المحتمل ان تكون تلك الفترة التي يقصدها اشعياء عندما قال : " الآراميين (السوريين Syrians )[22]من الشرق والفلسطينيين من الغرب ليلتهموا بني إسرائيل بكل أفواههم" (أش 9 :12)، فإن كان اشعيا يقصد من آخر جزء من جملته في ( اشعياء 9 : 1) سنوات حكم منحيم ، فعلى هذا يبدو أن الساحل و الجليل و جلعاد قد فقدتهم إسرائيل قبل نهاية حكمها.
ولكن اختيار أشعياء لكلماته في العدد 1 يستحق منا مزيد من التفسير ، فأحدى الأسئلة العقلانية المنطقية التي قد تطرح هي ما اذا كان فعلي الجملة " הֵקַ֞ל قلال" و " הִכְבִּ֑יד كافيد أو كافاد" بالفعل فعلي مناسبين لوصف فقدان الأراضي من الملوك الإسرائيليين، أم لا ؟ ، و للإجابة على هذا السؤال ، من المهم أن نلاحظ أولاً أن اختيار اشعياء لأفعاله هو أمر هو الذي يحدده حسب رغبته في اللعب على الألفاظ (اختيار شخصي) ، ولكن المعاني الحرفية للفعلين هما " يخفف " و " يُثقل" على الترتيب ، وذلك من أجل صنع مفارقة ساخرة ، لأنه في ”جميع الأحوال“ سواء كانت المعاملة "خفيفة" أو كانت المعاملة " ثقيلة" فإنها ستؤدي إلى نفس النتيجة وهي خسارة ارض إسرائيل.
تفصيل V.2
--------------
على الجانب الآخر ، على عكس خسائر إسرائيل للأراضي ، فعدد 2 هنا ، يصف لحظة انفصال مملكة يهوذا عن حكامها الشمالي ولهذا يقول النص "الشعب السالك في الظلمة ابصر نورا عظيما"
لكن كيف نفهم كلمة "الشعب" هنا ؟
بكل تأكيد الشعب هنا يضم البلاط الداودي ”قصر الملك“ و أورشليم ومن المحتمل أنه يضم أكثر من هذا ، في اى حال من الأحوال فإنه ستظل النقطة الأساسية لأشعيا كما هي، وقد تمت حركة احاز للاستقلال و الانفصال في المرحلة الأخيرة من آخر عشرين سنة لإسرائيل التي فيه فقدت تدريجياً كل ممتلكاتها (سطوتها) خلف/وراء تل مدينة أفرايم.
تفصيل V.3
-----------
يذكرنا أسلوب اشعياء هنا بأسلوب مزامير الشكر ، حيث يحتفل النبي اشعياء بهذا التحول في الأحداث في المملكة الداودية ( مملكة يهوذا) ( قارنv.2 بمزمور 107 : 10، 14 / 138: 7 / 23: 4 / 18: 4-5 ، 4) ، و يتضح ارتباطه بشكل خاص بمزامير الشكر في العدد 3، حيث يتجه اشعيا موجهاً حديثه هنا للإله مباشرة ، حيث ينسب للإله الأمل الجديد الموجود، قائلاً: ”لقد جعلت الابتهاج ( الفرح) عظيماً، لقد عظمت الفرح ، يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة“
و بالطبع مثل تلك الكلمات تعكس مدي الدعم القوي الذي تمتع به آحاز من بين مدعمينه من بني أورشليم ، و يمكننا ان نتخيل بسهولة الاحتفالات التي تمت في المعبد في المدينة العاصمة، شاكرين يهوه من أجل التحرر من المملكة الإسرائيلية و قبضتها.
تفصيل V.4,5,6
-------------------
تسرد لنا الأعداد من 4 -6 أسباب مُحددة لهذه السعادة، تبدأ كل جملة منهم بحرف ( כִּ֣י ) والذي يعني "لأن / من اجل".
أول الأسباب يشير بوضوح لاستقلال الشعب الحالي: " لأن نير ثقله والعصا التي كانت على كتفه ( عصا الكتف / العصا التي كانت على كتفه) مع قضيب مسخره قد كسرتها [يا يهوه] كما في يوم مديان"
إن المصطلحات التي استخدمت هنا هي ذات معني سياسي واضح ( قارن على سبيل المثال أش 10: 5 ، 24- 27 ، 14: 2-5 ، 47: 6 ، أرميا 28 :2 ، 30: 8 )، فمن المنطقي أيضا أنها تشير إلى هيمنة إسرائيل الطويلة على مملكة داود ، ولهذا فإن اشعياء يقارن بين انتهاء هذه الهيمنة على انها عمل إلهي و يقارنها بمثال تقليدي على تحرير الشعب بعد هزيمة المديانيين قبل عصور المملكة (اش 10: 27 ، القضاة 6-8)
ثاني سبب للاحتفال هو ما ذكر في العدد الخامس وهو : " لأن كل نعل من الجنود المُدوسة (الساحقة) في مَعْمَعَة المعركة ، و [كل] ثوب ملطخ بالدماء سيحرق كوقوداً للنار"، هنا النبي ينتقل إلى زمن المستقبل ، فبعد أن وصف انكسار القوة السياسية لإسرائيل، يتوقع اشعياء هنا انتهاء القوة الحربية العسكرية لإسرائيل كذلك. و لربما كان اشعياء يتوقع رد آشوري على الثورة السورية (الآرامية) و الإسرائيلية ، لكن من الواضح ان الهدف البلاغي هنا وهو طمأنة الداوديين و سكان أورشليم أن استقلالهم الجديد عن المملكة الشمالية ليس هو حدث على المستوي القريب ولكنه أيضا سيستمر في المستقبل البعيد.
يمثل العدد 6 السبب الأخير لهذه السعادة وهو بسبب "ميلاد" "الطفل" الملكي ، وهنا يسقط النبي أسلوب مزامير الشكر ، و يخاطب مباشرة مستمعينه من بني اورشليم بصورة مباشرة.
وفي المقالة القادمة سَنركز على تحليل وتفصيل ( العدد السادس)
الحاشيات والملاحظات:
------------------
[1] و الادق إنشره أو إنكشأ أي أكل، فإنكشا هي قريبة من اللفظة العبرية נִקְשֶׁ֣ה وتلفظ (نِكِشه).
[2] So he passes over into it [the land], fierce and hungry [for power]. And when he becomes ravenous and works himself into a rage, then he revolts against his king and his God and turns upward [toward Samaria]
[3] And he sets his sights on the land [Israel]. And look, there is distress and darkness, the gloom of oppression and widespread calamity
[4] عُرف لقب ”شرق الأردن“ لأول مرة في العهد الصليبي، حيث نقلت أول تسمية بهذا المعنى من المؤرخ وليم الصوري، حيث اطلق على المنطقة التي تشمل بلاد ( جلعاد، وعمون، ومؤاب ) مصطلح ultra jordanem باللاتينية، ويطلق عليها أحيانا trans Jordan التي تعني بلاد ما وراء النهر، عبر الأردن، أو شرقي الأردن.
[5] يوزن الفعل الثلاثي على وزن נִפְעַל (نفعل) للدلالة على البناء المجهول ، ويقابل تماماً في العربية "انفعل" الذي يستعمل للمطاوعة وكأن الحدث طاوع المُحدث ، فمثلاً كسرت الإناء فإنكسر، و فتحت الباب فإنفتح، وهذا الوزن هو الإمكانية الوحيدة في العبرية لصوغ البناء للمجهول من المجرد الثلاثي ، و يفضل إستعمال التسمية "المبني" لما لم يسَّم فاعله ، فهي أشمل لما جهل فاعله حقاً ولما سًكِتَ عنه إما للعلم به و بداهيته أو لعدم أهمية ذكره.[سامى الإمام ،قواعد اللغة العبرية، ص 106]
[6] New Jewish Publicans Society Version (NJPSV)
[7] تنقسم الأداوت إلى عدة اقسام منها التراكمية و البديلة و الاستدراكية و الاستنتاجية والتوضيحية، ومن أمثلة الادوات الاستدراكية، قولنا : ”هو أمين ، لكنه كسول“ ، ” لقد نجح في الإمتحانات بالرغم من عدم دراسته“ ، و هكذا ويُطلق عليها Adversative ومن Conjunction ومن أمثلتها : but, still, yet, whereas, while, nevertheless ...وغيرها.
[8] من المُحتمل لعدم علمها بالأمر، حيث إنتظر فقح الفرصة المُناسبة لكي يَرتقي الحكم.
[9] مثل قوله ”اذكر الكلام الذي امرت به موسى عبدك قائلا ان خنتم فاني افرقكم في الشعوب“ ( نحميا 1: 8).
[10] Brown-Driver-Briggs Expanded Definition , 4603 - מָעַל
[11] “But there will not be gloom for her who has been oppressed”
[12] “But there will not be gloom to the one that there was oppression to her” وجملة لها ضيق تعني عليها ضيق.
[13] وزن (هُفعل הָפְעַל) هو وزن للفعل للتعبير عن المجهول (مثل أُفعِلَ في العربية) ، فعلى سبيل المثال ”أُكسِرَ الكوب“، ”أُخرِجَت النقود“ ، وهو يستخدم للتعبير عن حدث تم في صيغة الماضي.
[14] سبب الترجمة هنا من ”لأجلها أو لها“ الى ”بسببها“ هو لايضاح المعني، فهناك تبادل في العمل بين حروف الجر، مثال على هذا ( أُنكسر الكوب لأجلك) تعني (انكسر الكوب بسببك) ، فهناك تبادل في العمل بين حروف الجر، مثل قول القرآن الكريم "بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" (التكوير 9) أي: لأىّ ذنب قُتِلتْ ، وايضاً "وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ " (البقرة 50) أي: فرقنا لكم البحر، فَيمكن لحروف الجر أن تَنيب عنها بعضها البعض، وقد بلغَت شواهد هذه الظَّاهرة من الكثرة إلى الحدِّ الذي قال معه ابن هشام الأنصاري: "ولو ذكرتُ أحرف الجرِّ ودخول بعضها تحت بعض في معناه، لجاء من ذلك أمثلة كثيرة" مغني اللبيب (2/ 881)، راجع ايضاً :
-ZIONY ZEVIT , The So-Called Interchangeability of the Prepositions b, l, and m(n) in Northwest Semitic, University of Judaism .
- Bruce K. Waltke, Michael Patrick O Connor, Caroll O Connor, An Introduction to Biblical Hebrew Syntax , p224
[15] فمثلاً أستاجر ”أمصيا بن يوآش“ جنودا من اسرائيل في حربه مع أدوم و لكن الجنود في عودتهم اغاروا على بعض مدن يهوذاً ، فغضب أمصيا جدا وانفعل وأعلن الحرب على اسرائيل و أصطدم مع جيش يهؤآش في بيت شمس و لكن انكسر يهوذا و وقع أمصيا في الأسر و زحف يهوآش على أورشليم و هي بدون دفاع و استولي عليها و نهبها و كسر اجزاء من أسوارها و عاد بغنائم ، ثم أفرج عن أيصا ولكن قواده أغتالوه :"حِينَئِذٍ أَرْسَلَ أَمَصْيَا رُسُلًا إِلَى يَهُوآشَ بْنِ يَهُوأَحَازَ بْنِ يَاهُو مَلِكِ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: «هَلُمَّ نَتَرَاءَ مُواجَهَةً». فَأَرْسَلَ يَهُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى أَمَصْيَا مَلِكِ يَهُوذَا قَائِلًا: «اَلْعَوْسَجُ الَّذِي فِي لُبْنَانَ أَرْسَلَ إِلَى الأَرْزِ الَّذِي فِي لُبْنَانَ يَقُولُ: أَعْطِ ابْنَتَكَ لابْنِي امْرَأَةً. فَعَبَرَ حَيَوَانٌ بَرِّيٌّ كَانَ فِي لُبْنَانَ وَدَاسَ الْعَوْسَجَ. إِنَّكَ قَدْ ضَرَبْتَ أَدُومَ فَرَفَعَكَ قَلْبُكَ. تَمَجَّدْ وَأَقِمْ فِي بَيْتِكَ. وَلِمَاذَا تَهْجُمُ عَلَى الشَّرِّ فَتَسْقُطَ أَنْتَ وَيَهُوذَا مَعَكَ؟». فَلَمْ يَسْمَعْ أَمَصْيَا، فَصَعِدَ يَهُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَتَرَاءَيَا مُواجَهَةً، هُوَ وَأَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا فِي بَيْتِ شَمْسٍ الَّتِي لِيَهُوذَا. فَانْهَزَمَ يَهُوذَا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ وَهَرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ. وَأَمَّا أَمَصْيَا مَلِكُ يَهُوذَا ابْنُ يَهُوآشَ بْنِ أَخَزْيَا فَأَمْسَكَهُ يَهُوآشُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ شَمْسٍ، وَجَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَهَدَمَ سُورَ أُورُشَلِيمَ مِنْ بَابِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَابِ الزَّاوِيَةِ، أَرْبَعَ مِئَةِ ذِرَاعٍ. وَأَخَذَ كُلَّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجَمِيعَ الآنِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي خَزَائِنِ بَيْتِ الْمَلِكِ وَالرُّهَنَاءَ وَرَجَعَ إِلَى السَّامِرَةِ. وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يَهُوآشَ الَّتِي عَمِلَ وَجَبَرُوتُهُ وَكَيْفَ حَارَبَ أَمَصْيَا مَلِكَ يَهُوذَا، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ إِسْرَائِيلَ؟ ثُمَّ اضْطَجَعَ يَهُوآشُ مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ فِي السَّامِرَةِ مَعَ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَمَلَكَ يَرُبْعَامُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ." ( 2 مل 14 : 8 -16) [الأب متى المسكين ، تاريخ إسرائيل، ص 130]
[16] سميت حرب آرام دمشق مع اسرائيل بالحرب "السوري أفرامية" نسبة لآرام دمشق ولمملكة إسرائيل (التي غالباً ما تسمى إفرايم بسبب كونها القبيلة الرئيسية)
[17] Like the time [when] the former one brought the land of Zebulun and the land of Naphtali into contempt and [when] the latter one made harsh the Way of the Sea, Beyond the Jordan, and Galilee of the Nations.
[18] [so now] the people who were walking in darkness have seen a great light, upon those who were living in a land of deep darkness a light has shined.
[19] ”من مدخل حماة إلى وادي العربة“ أي من أقصي شمال البلاد إلى اقصي جنوبها [يوسف رياض، الانبياء الصغار،، ص 96].
[20] يقول هيرودوت( 440 قبل الميلاد) عن الفينيقيون : ”إنه وفقا للفرس أفضل مطلعين على التاريخ، كان الفينيقيون يسكنون ا في السابق على ضفاف بحر اريترا، بعد أن هاجروا إلى البحر الأبيض المتوسط واستقروا في الأجزاء التي يسكنونها الآن، بدأوا في وقت واحد، كما يقولون، لمغامرة في رحلات طويلة، شحن سفنهم مع سلع مصر وآشور ..“
Herodotus , The History of Herodotus, Translated by George Rawlinson , Book I .
{ وكون فينيقيا قد سميت كنعان من قبل سكانها أنفسهم هو أمر معروف، فلدينا قطعة نقود من العصر الهليني تصف هذه المدينة بالفينيقة بأنها "في كنعان" ( بـ كنعن)، و بالإغريقية بأنها "في فينيقيا" }
Zellig S. Harris, A grammar of the phoenician language , 1936, P 7, Note 29
[21] من الأخطاء النسخ المشهورة هو الاختلاط بين حرفي الدال ד و الراء ר في اللغة العبرية ، مما سبب حيرة الناسخ ما في الاختيار ما بين "أدوم אָדָם" ، وبين "ارام אֲרָם " فعلى سبيل المثال نقرأ العدد ( 2 مل 16 :6 ) على انها أدوم أم آرام ؟ ”في ذلك الوقت ارجع رصين ملك ارام ايلة للاراميين وطرد اليهود من ايلة وجاء الاراميون الى ايلة واقاموا هناك الى هذا اليوم.“ ( فانديك) أم كالتالي ”وفي ذلك الوقت استرد ملك أدوم أيلة وجاء الأدوميون إليها وطردوا منها بني يهوذا وأقاموا هناك إلى هذا اليوم.“ (المُشتركة) و ايضاً 2 صم 8 : 12 ، 2 أخ 20: 2 ، حز 16: 57 ، حزقيال 27 :16 .
John F. Brug, Textual Criticism of the Old Testament, p 14
[22] يستدل من المدونات الآشورية البابلية وغيرها أنّ قسماً كبيرا من بلاد الرافدين وسورية الشمالية والوسطى قد اجتاحته في خلال القرنين الرابع عشر والثالث عشر جماعات سامية وان هذا المناطق بدأت تتخذ صفة آرامية باستثناء جيوب حثيّة قليلة منها كركميش وقد ادى ضغط الآراميين المتواصل الى طغيانهم التدريجي على الاموريين والحوريين والحثيين في وادي العاصي والمنطقة التي تليها في الشمال وإلى امتصاص هؤلاء او طردهم وكان جبل لبنان عائقا في طريق هذا التوسع نحو الغرب واستمر فيه ازدهار الجماعات الحثية والامورية بينما بقيت المدن الكنعانية في السهل الساحلي بدون ان تمس واصبحت دمشق وهي مركز دولة آرامية فيما بعد يسكنها الآراميون في 12 ق.م وتعطي حوليات رعمسيس الثالث (1198 – 2267) التهجئة االآرامية لاسم دمشق. [ الدكتور فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الاراميون الشعب السامي الثالث الرئيسي ]
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي
.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس
.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد
.. 119-Al-Aanaam
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال