الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التنشئة الصحيحة للفرد هي أساس المُجتمع الديمقراطي

بكر محي طه
مدون حر

(Bakr Muhi Taha)

2020 / 8 / 5
المجتمع المدني


امرٌ وارد بأن لا يتفق البشر فيما بينهم في كثير من الأمور، ولكن من المفترض إن إختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية، وبالتالي تتحول الى نزاعٍ او حروبٍ أو أحقاد ...الخ، وهذا الإختلاف / التباين هو ما يُمثل الذائقة البشرية في الإختيار، إذا ما كانت ثقافة التنويع هي السائدة، أما ما يحصل اليوم من حروبٍ وإنقسامات بشرية سواء كانت عرقية أو لونية أو حتى دينية، سببها الأساس هو ليس الإختلاف بقدر عدم تقبل الرأي الآخر والتمسك والتعند ببعض الآراء في محاولةٍ لتبرير أخطاءٍ واضحة والتغاضي عن ثغرات كثيرة يراد بها الخروج الى نتيجة واحدة وهي "نحن على حق وأنتم لا! وبالتالي عليكم إتباع هذه الأراء وبدون نقاش!"، وهذا بحد ذاته هو جوهر الصراع الذي نعيشهُ الأن.
فمصادرة الصوت الحر في الإختيار إضافة الى التنكيل بأي صوتٍ يُغرد خارج السرب، ماهو إلا مخاض سياساتٍ إجتماعية مُتراكمة، تعتمد على فرض الراي وإن كان بالقوة، حيث لا مجال للتفاهم، الذي يعتبر في بعض الأحيان تشكيكاً بأهلية المقابل وهو امرٌ مرفوضٌ تماماَ، ولو تمعنا أكثر لوجدنا بأن المجتمع العراقي على وجه الخصوص بات يُعاني وبشكلٍ واضح من هذا الأمر، بسبب تفاقم دور بعض الفصائل المُسلحة المدعومة خارجياً ودور العشائر اللذين غلبا قانون الدولة المُتحيز أساساً بسبب التقسيم الديموغرافي للبلد!، الأمر الذي جعلهُ مُتقيداً ويأخذ دور المُتفرج، في المقابل نجد بأن المواطن قد فقد ثقته بالمجتمع والدولة والقانون ولا يوجد أمامه سوى قانون العشائر و / أو الفصائل لحماية نفسه ومصالحة، وهذا ما يُمثل (حياة قانون الغابة) التي نعيشها اليوم، حيث بات القتل والسرقة والإغتيال والفساد.. ولأسباب تافهة تُبرر لإختلاف الرأي أو المظلومية والثأر أو حتى قضايا الشرف، بالمقابل غياب العقوبات الرادعة هو ما أوصل الحال الى ماهو عليهِ اليوم.
ولكي نضع النقاط على الحروف ونتكلم بصراحة، حتى وأن كان هناك قانون رادع أو عقوبات ضد اي إنتهاك فإن الموضوع لن يتوقف!، لأن المشكلة الأساس هي ليست النظام البشري الحالي فقط برغم إنه يتحمل جزءً كبير من الكارثة، وإنما المشكلة تكمن بالفرد الواحد وطريقة تفكيره التي صارت مبنيةً على أساس القمع والقتل ولعدة أسباب، أهمها الضغط المجتمعي ومحاولة إرضاء الناس ودرءِ كلامهم، فيما عدا إثبات الرجولة والظهور بالشكل الفحولي الذي تصوره السينما (سي سيد)، أي أن الفرد يسعى وبكل طاقاته لخدمة مصالح غيره ولكن بشكلٍ سلبي، مما تسبب في جعل المجتمع مُنقسم الى فئاتٍ وشرائح سكانية لاتنفذ على بعضها البعض، وتعيش داخل دوائر فكرية مُغلقة تم توارثها ولم تكن وليدة الواقع الذي يعيشوه في الوقت الحالي، وأي محاولة للتغيير سواءً من الداخل أو الخارج تُعتبر تمرداً على الأعراف السائدة!، ولابد من مُجابهتها لأنها تمسُ فلاناً (شخصية تمثل خطاً أحمر!) أو موضوعاً معين وهو أمر مُفرغ لايمكن السكوت عنه، مثلاً موضوع جرائم الشرف الشائك، وأيضاً ما يُعرف بالدية البشرية (الفُصلية)...الخ.
لذا فأن بناء شخصية الفرد داخل المجتمع هي اللبنة الأولى نحو التحضر والعيش السليم الديمقراطي، والتأكيد على أن إختلاف الأراء والتباين الفكري لايعني بالضرورة الأختلاف الطبقي أو الجغرافي، بقدر التوافق والإختلاف في أمورٍ إجتماعية وإقتصادية أو حتى دينية، بما يتناسب مع الواقع اليوم لا مع واقع قديم مُختلف عن الذي نعيشه الان، لأن حلول الأمس لاتنفع مشاكل اليوم تحت أي بندٍ كان، ولعل من أبرز المهام التي من الممكن أن تساعد في بناء مجتمعٍ ديمقراطي قائم على أساس أحترام حريات الأنسان وخصوصياته هي:
1- تشريع قوانين تضمن إحترام الحريات الفردية مهماً كانت بشرط أن لا لاتؤثر على حريات الغير.
2- العدالة الإجتماعية بما يضمن العيش الكريم للجميع.
3- حملات التوعية المستمرة حول أهمية الحوار والتحضر في حل المشاكل، ونبذ الأساليب البدائية التي تدعو للعنف وسلب الحياة.
4- القانون هو سيد المواقف ويحكم بما يضمن العدالة للجميع وإنصافهم.
5- التأكيد على تربية وتنشة إجتماعية حديثة تقوم على أساس تقبل الآخرين في آرائهم وتوجهاتهم وعدم إضطهادها، ولعلها أهم وأخطر فقرة لأنها تُمثل اللبنة الأولى الأساس التي سيُبنى عليها المجتمع المتحضر، إذ أن المجتمع العراقي اليوم يحتاج وبشدة هذا الأمر كونه يُمثل أبسط حقٍ ديمقراطي ممكن أن يعبر الإنسان به عن خواطره ومشاعره وأفكاره بعيداً عن الخوف والإرهاب طالما لايتعدى على حرية الغير، فتبادل الآراء والأفكار يعبر عن حالة ديمقراطية أسمى للإنسانية لأن الهدف الأول والأخير هو الخروج بنتائج تُفيد الجميع وليس فئةً محددة.
أما فقرة عدم تقبل الآراء وهذا أمرٌ وارد في مجتمعٍ مبني على أساس إحترام الحرية الفردية وهذا حق مشروع لابد من الإعتراف به كون للبشر أذواقاً مُتباينة، وبالتالي فأن سياسة الإبدال هي الحل بمعنى إعطاء بديلٍ آخر للرأي أو الفكرة المطروحة حتى تتناسب مع العقلية الفكرية للجميع من جهة وتحقق مبدأ التنويع بالطرح من جهةٍ اخرى.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، إبنتي ذات 13 ربيعاً (والتي تربت ضمن بيئة حوارٍ وتفاهم)، قد رأت (مايا) إبنة صديقي المقرب (سعد)، وهي ترقص الرقص الشرقي في برنامج تلفزيوني، وهي أرادت الإشتراك في هذا البرنامج مثلها، لتعيش تجربة جديدة من إختيارها هي وليست مُجبرةً عليها -بغض النظر عن قبولي أو عدم قناعتي أصلاً بالموضوع- فبدل أن أعصب وأعنفها لتبقى ذكرى مؤلمة لإبنتي فيما عدا تهدم جسور الثقة بيننا، أو أنتقص من حياة صديقي (سعد) وأسرته بسبب هذا الأمر والذي ستفسرهُ إبنتي بإن علاقتنا بهم مجرد أقنعة ومصالح (نفاق) وليست صداقة إنسانية بحتة، بإمكاني تقديم رأيٍ أو مقترحٍ آخر لإبنتي فبدل أن تقلدي (مايا) في الرقص إفعلي ما يُميزك عنها، كالرسم أو السباحة أو النحت أو الكتابة أو حتى تسلق الجبال.. الخ، وبالتالي لن أخسر ثقة إبنتي بالكلام وإبداء رأيها الشخصي في الاختيار وكذلك لا أُأثر على علاقة عائلتي بعائلة صديقي (سعد) لأنهم أحراراً في عيش حياتهم كما يشاءون، فتقديم البديل أفضل بكثيرٍ من المنع حتى لا يتحول الى كل ممنوعٍ مرغوب، وهنا تبرز أهمية بناء شخصية الفرد وتنشئتها على أساس الحوار والحوار الآخر لأجل مجتمعٍ مدنيٍ ديمقراطيٍ أمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا