الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة الى الإرهابيين ... المسيحيين أقرب الناس مودة للمسلمين ...

جمعه عباس بندي
كاتب وباحث وأكاديمي وقانوني

(Dr.jumaa Abbas Hassan Bandy)

2020 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تمهيد :
بعد الهجمات الإرهابية في (11) سبتمبر 2001 في كل من نيويوك وواشطن ، وفي إحدى اللقاءات سؤل الشاعر الفلسطيني الكبير (محمود درويش) عن رأيه فيما حدث في (11) سبتمبر؟ أو في ما معناه من هذه الألفاظ.
فأجاب: أنا أدين بشده ما حدث في هذه العمليات الإجرامية ، ولكن مدينة نيويورك أصبحت أجمل من دون هذين البرجين.[النقل هنا بالمعنى ، ولا يشترط أن تكون بنفس الألفاظ].
نحن أيضا نستنكر ونشجب وبصوت عالي ما حدث في إحدى كنائس مدينة (نيس) الفرنسية بتأريخ 29/10/2020 ، ونعتبره سلوكا إرهابيا بشعا، لا يخدم أحدا وخاصة الدين الإسلامي الحنيف ، وبهذه الأعمال والمشاهد ستصبح باريس وفرنسا أكثر ظلاما وظلامية.

أولا : الكنائس بيوت الله :
وعلى من يقوم بهذه الأعمال المرعبة البشعة أن يدرك : بأن الكناس بيوت الله تعالى ، كما هي المساجد ، وأي مكان يبعد فيه الله تعالى فهو بيته ، والإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر ويذكر الله في قلبه وعقله فهو بنيان الله وملعون من يهدم بنيانه.
فالمرأة الفرنسية التي ذبحت داخل الكنيسة والآخرين الذين تم تصفيتهم ، كانوا يذكرون الله ويعلون من إسمه ، وقد يكون من اللذين يدعون للقاتل وأمثاله بالخير والسعادة ، لذا فبقتلهم أيها القاتل قتلت كلمة الله تعالى في بيت من بيوت الله تعالى.

ثانيا : وصايا الرسول الأكرم في الحرب :
وفي هذا المقام الأليم والمفجع سنستذكر ونستشهد بإحدى وصايا نبي الإسلام (محمد بن عبدالله) – صل الله عليه وسلم - ، لجيش (زيد بن حارثة) الذي تم تجهيزه للذهاب الى مواجهة البيزنطنيين والغساسنة والتي سميت فيما بعد بـ (غزوة المؤتة) التي قتل فيها كل من زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب (رضي الله عنهم) .
حيث قال الروسول الأكرم لجيش المسلمين : ((اغزوا بسم الله، في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجراً، ولا تهدموا بناءً )).
هذه كانت وصاياه – صلى الله عليه وسلم – وهو يخاطب جيشا محاربا سيواجه عدوه ، أي في حالة الحرب والمواجهة العسكرية ، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا : كيف كانت وصاياه وهو في الأمن والأمان والسلام والعهد والعقد مع الآخر؟.
ومن المعلم لمن يعرف أولويات الإسلام : بأن الحرب والمعارك حالات إستثنائية في الشريعة الإسلامية ، وما شرعت أو أباحت إلا لحالات ضرورية وبقدرها، والسلام والعيش المشرك هو القاعدة الراسخة التي تحكم بين الأوطان والشعوب والدول والأفراد ، وهذا الأمر جلي وظاهر وجامع في جوهر ومحتوى إسم الإسلام.

ثالثا : أعمال الإرهابين في ميزان الإسلام :
لكن لو نأتي ونقييم ما تقوم بها الجماعات المتطرفة الإرهابية من أعمال وسلوكيات بإسم الإسلام ونضعه في ميزان الإسلام ، سنجده بهذا الشكل وبهذه المفردات :
1- عدم وجود تقوى الله تعالى في أعمالهم وتصرفاتهم ، لكونها جميعا خارجة عن منهج الإسلام وآيات القرأن الكريم.
2- حروبهم ليست في سبيل الله ولا لإعلاء كلمته ، بل هي في سبيل الشر والعدوان ، ونزع محبة الله تعالى من قلوب الناس وغرس خوفهم وحقدهم مكانها.
3- الخيانة والغدر جوهر وديدن فكرهم وأعمالهم ، وإلا كيف تعطي لنفسك الحق بذيح إنسان ومعك ومعهم العقد والأمان ، بل أنت ضيف في داره.
4- يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء ويخطفونهم ، ويذبحون الضحايا بالسكاكين وكأنهم قرابين لمسح خطاياهم ، ويفجرون أولاد آدم بمادة (TNT)، والأسوء من كل هذا تحت يافطة (لا إله إالا الله) –تعالى الله من أعمالهم علوا كبيرا -.
5- يهدمون المساجد والتكايا والمقابر وأضرحة الأولياء والصالحين ، ويفجرون الهياكل ويسرقون التماثيل – التراث الحضاري – ويتاجرون بالمحرمات ، وعندما يؤذن المؤذن قد تجدونهم في الصف الأول من الصلاة !!!.
6- يقطعون الأشجار ويحرقون الزيتون ويهدمون الآبار وبذبحون النخيل ويضربون ما فوق الأعناق وما بين السيقان.
7- إنهم لا يفرقون بين المعسكرات والمستشفيات والمدارس والأسواق ، ويضربون المباني بالطائرات كألعاب نارية ، فقط غايتهم هو نشر وتعميم إرهابهم وبأية وسيلة وطريقة.
وللأسف الشديد مع كل عمل من هذه الأعمال - التي تخجل منها حتى الوحوش المفترسة – يقولون : نحن نخدم الإسلام ونسير نهج ومنهج النبي مصطفى ، والإسلام ورسوله بريئون منهم ومن أعمالهم الإرهابية ، كبراءة الذئاب من دم إبن يعقوب النبي.

رابعا : المسيحيون أقرب الناس الى المسلمين :
ومن الجدير بالذكر : بأن المسيحية والمسيحيون هم أقرب الناس الى الإسلام والمسلمين ، ولا يجوز وبأي شكل من الأشكال أن نغدر بهم أو نعتدي على أرواحهم أو أعراضهم أو أموالهم أو كنائسهم أو أي حق من حقوقهم المادية والمعنوية ، قال تعالى في كتابه المبين : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ }[سورة المائدة 82- 85].
لكننا للأسف الشديد لا نقرأ القرأن الكريم إلا من الزاوية التي تشبع رغباتنا وأهوائنا ونتعامل مع آياته بأنتقائية ومنفعة آيدلوجية ضيقة ، لا يخدم القرأن الكريم ولا يخدم سماحة وروح الإسلام الحنيف.

كما جاء في كتاب الديات (باب إثم من قتل ذميا - معاهدا- بغير جرم) الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه : ((عَنْ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ ‏: ‏مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)).
والمسيحيون هم مؤمنون بالله تعالى وباليوم الآخر ، ووصفهم القرأن الكريم في أكثر من موضع وآية بـ (أهل الكتاب) ، والمسيح – عليه السلام – نبي من أنبياء ، ولا يكمل أيماننا حتى نؤمن به إيمانا تاما مطلقا ، علما تزوج الرسول الأكرم من سيدة مسيحية (مارية القبطة) والتي أصبحت فيما بعد بـ (أم المؤمنين ) ، ولو كان المسيحيون كفرة أو مشركون ، لما جاز للنبي محمد بن عبدالله – صل الله عليه وسلم – أن يتزوج منها ، لأن الشريعة الإسلامية تحرم الزواج أو التزويج من الكفار والمشركين والمشركات، بنص القرأن الكريم:{ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنواً} و { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن }[البقرة : 221] ،لذا فكل ما يقوم به هؤلاء المجرمون هو عين الجهل بالإسلام كدين وبسيرة الرسول الأمين وبأكثرية التأريخ الإسلامي.

خامسا : مواقف بعض الزعماء الغرب :
كما تجدر الإشارة هنا الى ذكر بعض المواقف السيئة لبعض زعماء الغرب تجاه الإسلام كدين والقرأن الكريم وتجاه رسول الإسلام، التي أصبحت بمثابة مادة إعلامية تغذي التطرف بيد المتعصبين من تيارات الإسلام السياسي في تحريض ودفع وتشجيع الشبان أو المراهقين في أرتكاب مثل هذه الأعمال الإجرامية.
وآخر هذه المواقف تصريحات الرئيس الفرنسي السيد إيمانويل ماكرون، عندما صرح وقال : ((الإسلام يعيش أزمة في كل أنحاء العالم )) ، فهذه العبارة تحمل في طياتها الكثير من المعاني ، ومن أهمها الإسلام كدين لا يصلح لكل زمان ومكان وهو في ذاته تحول الى أزمة ، وهذا القول عار عن الصحة، لأن الإسلام رسالة سماوية خاتمة ، ولم تكن في يوم من الأيام في أزمة، بل بمجيء الإسلام تم حل الكثير من الأزمات وتم إزالة الكثير من العراقيل أمام الإنسان والمجتمعات ، وخير دليل على ذلك : المسلمون الأوائل عن طريق تطبيقهم لنهج الإسلام بنوا حضارة إنسانية ومن خلالها وبمدة زمنية قياسية أصبحت بديلة للأمبراطوريتن الفارسية والرومانية في ذلك الوقت، والى الآن وهي تساهم في بناء الصرح الثقافي والحضاري للإنسانية جمعاء.

لذا كان على الرئيس الفرنسي السيد ماكرون أن يستخدم لفظة (المسلمون) بدل لفظة (الإسلام) وفي هذه الحالة كانت مقولته في محلها ، لأن المسلمين حقا يعيشون في أزمة في جميع أنحاء العالم وعلى جميع المستويات والأصعدة، والمسلمين لا يمثلون الإسلام ، بل الإسلام وحده يمثل نفسه ، ولا نقيس الإسلام من خلال سلوكيات المسلمين، بل نقيس المسلمين وسلوكياتهم بميزان الإسلام.
وكذلك دفاعه عن الرسوم الكاريكارتورية المسيئة الى نبي الإسلام ، تحت شعار : ((حرية التعبير)) لم تكن في محلها ، لأن السيد ماكرون رجل دبلوماسي ورئيس دولة عظمى ، فليس من المنطقي أن يجرح مواطنين دولته أو يفرق بين أبناء فرنسا ، وخاصة تشير الإحصائيات الى وجود أكثر من خمسة ملايين مسلم فرنسي داخل فرنسا، وحدود أية حرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وخير مثال على ذلك محاكمة المفكر والفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي) لمجرد نقد وليس نفيه لما حدث ضد اليهود في أيام النازية ، بقانون معاداة السامية.

سادسا : أسئلة مشروعة الى زعماء الغرب :
لمَ هؤلاء الزعماء الغربيين ، لا ينتقدون قادة وحكام العالم الإسلامي وحكوماتهم ، لا يقولون لهم : كفاكم دكتاتوؤية ، ألا نشبعون من قعدة الكراسي ، ألا تخجلون من شعوبكم ومواطنيكم ، فهم من لحظة فتح عيونهم في هذه الدنيا وصوركم معلقة فوق روؤسهم ، ولا تتبادلون السلطة أو تتركونها إلا بالموت أو القتل، أي كرامة الإنسان وهويته وأنتم تعتدون عليها وعلى أبسط حقوقها بأسم الدين والوطن والقانون، ألا تخجلون من دموع الأم التي تفقد ولدها وهو يعبر البحار والمحيطات ويجازف كل المخاطر من أجل العيش بكرامة، أم أن النفط والغاز والمصالح أعمى قلوبكم وعقولكم الى هذه الدرجة، ما هذا النفاق السياسي والدبلوماسي والقانوني بأسم الحقوق والحريات.
ولمَ لا تطالبون زعماء الدول الإسلامية بالأنسحاب من أرضي إخوانهم المسلمين ومنحهم حقوقهم وحرياتهم المشروعة والعادلة وفق كافة المواثيق الدولية والقوانين الطبيعية وتشريعات الأديان في بناء وطنهم ودولتهم المستقلة أسوة بباقي الدول والشعوب الإسلامية ، وخير مثال : الشعوب الكوردستانية التي تم تمزيقهم وتجزئتهم الى أربعة أجزاء من سايكس - بيكو 1916 والى الآن.

سابعا : حرية التعبير :
وبمجرد أن قام جزء من أجزاء كوردستان – كوردستان العراق – بالتعبير عن حقه وأفصح عن إرادته ومطالبه من خلال حرية التعبير، وقفتم جميعا ضد هذا الحق ، وقلتم لهم بلسان حالكم : ليس من حقكم حتى أن تعبروا عن حريتكم ، حتى من خلال مربعات الأوراق وصناديق الإرادة الجماهيرية، وأيدتم صوت الدبابات وأخمدتم صوت الإنسان.

وأخيرا وليس آخرا : على الجميع أن يدرك بأن الإسلام نور من الله ، ويستحيل على أحد إطفاله أو تشويه أو أنحرافه عن أهدافه ومبادئه والعاقبة للتقوى والأصلح والأقوم.
بسم الله الرحمن الرحيم: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }[سورة التوبة :32] ، وقوله تعالى :{ يرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }[الصف 8-9 ].








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا