الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى العلم والعلمانية

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2021 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تفاعلا مع أحد أساتذتنا الأجلاء بخصوص رده على تعليقنا الذي يدعو إلى القطيعة الجذرية مع التراث الإسلامي، وهذه القطيعة تحتاج إلى غربلة وتمحيص لكل ما هو أسطوري وغيبي في تراثنا والذي يشكل عقبة في نشر الفكر العلمي وتأسيس مجتمع مغربي علماني واع بشروط المواطنة وحقوق الإنسان.

1- لقد أشار الأستاذ الكريم إلى أن عمر بن الخطاب امتلك جرأة كبيرة حينما عطل آية من آيات القرآن التي تدعو إلى قطع يد السارق وذلك في سياق عام المجاعة، ويتعلق الأمر بالآية 18 من سورة المائدة التي تقول: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). من يملك اليوم هذه الجرأة؟ من النادر أن يتجرأ أحد المشايخ ويعطل هذه الآية، وأقول لا تكفينا جرأة عمر بن الخطاب، بل نحن بحاجة إلى القطيعة الجذرية مع هذه الأحكام التي اقتبسها الإسلام من أديان سابقة عليه، بحيث أن هذا الحد كان موجودا في الجاهلية، وبالتالي لا يعتبر هذا الحكم حكما إلهيا، بل حكما بشريا، والأدهى من ذلك أنه ورد فى قوانين حمورابي بشأن السرقة [ إذا سرق سيد متاع متاع ( إله ) أو متاع الدولة فإنه يُقتل , كما يقتل كل من وضع يده في متاع مسروق .] ، حيث نصت شريعة حمورابى على قتل كل من يسرق متاع ( إله ) أو متاع الدولة، بل وقتل كل من شارك فى عملية السرقة ! بالمناسبة هذه القوانين تمت صياغتها فى عام 1790 ق. م . في ميسوپوتاميا ( منطقة بين النهرين) و بالتحديد فى بابل . وهناك الكثير مما ورد بخصوص السرقة وعقوبتها فى قانون حمورابي ، فهل كان حمورابي رسولا مرسلا بهذه القوانين من عند الاله المحمدي ؟ لكننا بعرض ذلك القانون العقابي على العقل والمنطق وفي سياق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نجد أنه حكم ظالم، إذ أنه يعاقب السارق بسلبه جزءا من جسده لا يمكن تعويضه، في حين أى مال أو متاع كان قد سرقه السارق يمكن تعويضه لمن تمت سرقته منه ! وماذا لو اتضح بعد قطع يد من أدانه القاضى بالسرقة، أنه لم يسرق ؟ هل يمكن فى هذه الحالة اعادة اليد المقطوعة إلى من اتهم بالسرقة ؟ أرى أن هذه الآية ينبغي تعطيلها ونسخها بشكل كلي وليس بشكل سياقي كما فعل عمر بن الخطاب، ويجب نزع القداسة عن هذا الحكم والقول أنه حكم بشري تجاوزه التاريخ.
2- بخصوص الآية القرآنية التي تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَى)، بحيث تميز بين فدية الحر وفدية العبد، فيتضح أن المسلمين ليسوا سواسية، ولا يخرج القرآن عن سياقه التاريخي وبالتالي هذا المثال يضرب في صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وهذا الأمر يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و يتعارض حتى مع الحديث النبوي الذي يقول: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، أَبَلَّغْتُ ؟ ) قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ الله) 22978، رواه أحمد. أيهما ينسخ الآخر القرآن أم الحديث ؟ إذا كان القرآن أكمل من الحديث، فإن القرآن انطلاقا من هذا المثال متأخر عن الحديث !!
3- تحدث الأستاذ الكريم عن الآية التي تدعو إلى محاربة من يحارب الإسلام وإلى التعامل مع من يتعامل مع المسلمين حتى لو كان مشركا. طيب هل المحاربة تتجلى فيمن يحارب الإسلام؟ وهل يسمح الإسلام بحرية المعتقد للملحدين والمشركين، نعرف أن أهل الكتاب من نصارى ومجوس ويهود مسموح لهم باعتناق ديانتهم والعيش كذميين مثقلين بعدة اكراهات من قبيل عدم بناء الكنائس وعدم تعليق الصلبان على الكنائس وارتداء زي خاص بهم وعدم حمل سلاح وركوب الخيل وغيرها من الإجراءات التعسفية التي جاءت بها العهدة العمرية. لكن ماذا عن المشركين وعبدة الاصنام؟ لماذا اليوم لا نعثر على الآثار وعلى الاصنام والبيع والكنائس التي كانت بشبه الجزيرة العربية قبل الإسلام؟ أين اختفى تراث شبه الجزيرة العربية؟ لو عدنا إلى سيرة ابن هشام سوف نجد أن النبي محمد بعد فتح مكة كان يحطم الأصنام وهو يردد الآية: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) الإسراء/ الآية 81 . وما يعضد ما نقول نجده يتمثل في هذين الحديثين اللذين نسخا كل آيات التسامح التي وردت في الإسلام المكي ( الآية 256 من سورة البقرة، الآية 99 من سورة يونس...) الذي يختلف جذريا عن الإسلام المدني ونقرأ:
- (بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، وجُعِلَ الذَّلُّ والصَّغار على مَنْ خالَف أمري، ومَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم)، رواه أحمد، رقم الحديث: 2/92.
- (من بدل دينه فاقتلوه)، رواه البخاري 6922.
إننا بحاجة إلى مقاربة علمية ونقدية للتراث الإسلامي تعمل على تعطيل الآيات والأحاديث التي لا تصلح لعصرنا وربطها بسياقها التاريخي، أما الأحاديث والآيات المفيدة، فينبغي إخراجها من عصرها وربطها بعصرنا، لكن شريطة تفكيك مقولة الناسخ والمنسوخ التي ترتكز على الآية القرآنية: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، الآية 106 / سورة البقرة. فلا الإسلام المدني ينسخ الإسلام المكي ولا الحديث ينسخ هذين الإسلامين. فالتاريخ هو أكبر ناسخ للأحكام والقيم والسلوكات على ضوء العلم.

- 4 هل يسمح للنساء و للمشركين وأهل الكتاب أن يتبوؤوا السلطة السياسية بشكل متساو مع المسلمين ؟ الجواب في العلمانية وحدها دون غيرها وسوف أقول لك: لماذا ؟
- (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً)، سورة النساء، الآية 141
- (لن يُفلحَ قومٌ ولَّوا أمرَهم امرأةً)، البخاري، رقم الحديث: 7099
-
(الأئمةُ من قريشٍ، ولهم عليكم حقٌّ، ولكم مثلُ ذلك، ما إن استُرحِموا رحِموا، وإن استُحكِموا عدَلوا، وإن عاهدوا وفُوا، فمن لم يفعلْ ذلك منهم فعليه لعنةُ اللهِ، والملائكةِ، والناسِ أجمعِينَ، لا يُقبَلُ منه صرفٌ، ولا عدلٌ)، رواه الألباني، رقم الحديث: 2758.

وهذه الأحاديث توضح بالملموس بأن العلمانية حاجة مجتمعية لا غنى عنها .



يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah