الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التبادل بين الآلهة والشياطين

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2022 / 8 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في بدايات عبادات الآلهة الافتراضية غير المنظورة،
كانت هناك آلهة طيبة تجلب الخير.
وآلهة شريرة تجلب الخراب والدمار والحروب.
لكن مع بوادر النزوع للتوحيد،
تجمعت سائر القدرات خيرها وشرها في شخصية واحدة شاملة وكلية القدرة.
فنجد موسى النبي في العهد القديم يزجر الإله ويهدده بمفارقته، إذا لم يندم على الشر الذي ينتويه لقومه، أثناء تضليل "يهوه" لشعبه لمدة أربعين سنة في عبورهم صحراء سيناء إلى أرض الميعاد بفلسطين، كما تقول الرواية.
وبالفعل يخضع الرب لتهديد موسى، ويرجع عن حمو غضبه.
ونجد الإله العبراني في سفر التكوين من تلقاء نفسه يندم على ما فعل.
سواء لخلقه البشر أو لإبادتهم بالطوفان. ويعلن توبته عن ذلك. ويقطع عهداً مع البشر بعلامة ظهور قوس قزح، ألا يعود لفعل ذلك.
ونجد عاموس أحد أنبياء إسرائيل يقول:
"هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟" (عا 3: 6).
لكن مع الزمن بدأت شخصية الشيطان تتبلور تدريجياً في الفكر الديني.
لتُسند إليه الأعمال والظواهر الشريرة من وجهة نظر الإنسان.
ونجد في قصة أيوب اتفاقاً بين الإله الطيب والإله الشرير أي الشيطان، على إدخال أيوب في تجربة قاسية.
وتصور لنا القصة تنازع الإله والشيطان على السيطرة على مجريات حياة البشر.
ورغم طول مراحل تبلور مفهوم الإله والشيطان في الفكر الديني، مازال الخلط والاختلاط قائماً حتى اليوم.
بين شخصية الشيطان،
وشخصية الإله الطيب المُحب للبشر.
فكثيراً ما نجد رجال الدين وعامة الناس ينسبون ما يقع لهم من كوارث إلى الإله الطيب المُحب. مبررين ذلك بشتى التبريرات.
فنجد رجال الدين بشتى انتماءاتهم يسارعون بنسبة الكوارث الطبيعية والأوبئة إلى إلههم الطيب المعبود.
معللين ذلك بآثام البشر وزيغانهم عن الطريق القويم.
كما ينسب الكثيرون مصائبهم الشخصية لتدبير إلهي.
مسندين ذلك لحكمة عليا تعجز عقولهم عن إدراكها.
وتشيع مقولة "قدر الرب وماشاء فعل". ومقولة "اللهم لا اعتراض".
يبدو أن هذا يرجع لرغبة دفينة للتقهقر للتوحيد القديم بين الإله والشيطان.
كما هو أيضاً حرص على وصف الإله المعبود بأنه "ضابط الكل".
بما يعني أن كل ما يحدث في الحياة هو بأمر أو بسماح منه.
ونشهد ذلك الجدل السوفسطائي للتفرقة بين ما نسميه "الإرادة الإلهية" و"السماح الإلهي".
فكما أن فكرة نسبة ما يعتبره الإنسان شروراً إلى شخصية واحدة متخيلة هي الشيطان، فكرة مريحة للإنسان. خاصة ما يرتكبه الإنسان بنفسه من شرور،
ما يعفيه من المسؤولية عما يرتكب.
أيضاً تجميع كل خيوط السيطرة على مجمل الحياة في يد شخصية واحدة،
هي الإله القوي الجبار ضابط الكل، هي فكرة وتصور مريح للإنسان.
تجعل كل الحياة والوجود رهينة قدرة حاكم واحد قدير. يمكن استرضاؤه بطرق شتى. لعل أسهلها الالتزام بطقوس وتقديم ذبائح وترضيات مادية لنوابه على الأرض.
الآن:
هل تصور الآلهة والشياطين
كان ومازال هروباً من مواجهة الإنسان لحقيقة وجوده وعالمه،
وهي عشوائية الوجود والحياة،
وأن الإنسان هو الإله الوحيد،
الذي يفرض بعض الانتظام عليها. يصنع الخيرات والشرور لنفسه بنفسه؟
ذلك هو السؤال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اشكاليه الوجود
على سالم ( 2022 / 8 / 31 - 19:54 )
نعم انا اجذم ان هذا الوجود عشوائى عبثى ولانظام عاقل او غايه وهدف من هذا الوجود المحير


2 - التوحيد اسبق ام الاستبداد المطلق
منير كريم ( 2022 / 8 / 31 - 23:45 )
تحية للاستاذ المحترم كمال غيربال
لاشك ان الدين دافعه الاولي كان الخوف والحيرة امام ظواهر الطبيعة
لكن سرعان ما استخدمت الدين السلطة
الاديان التعددية كانت مرنة على عكس التوحيد
السؤال لمن الاسبقية كانت للتوحيد ام للاستبداد المطلق ؟
الديانة اليهودية مختلفة فهي محتاجة للتوحيد لتوحيد القوم
شكرا


3 - امفهوم اليهودية لله انه ملكهم السلطوي وليس روحاني
د. لبيب سلطان ( 2022 / 9 / 1 - 07:33 )
المقالة جميلة وتطرح الثنائية والتوحيد بتبادل الأدوار او فصلهما او دمجها وهي جميعها واردة في الديانات الأبراهيمية ولكن قراآتي لتاريخ اليهودية اوضحت لي جيدا ان مفهومهم للأله انه ملك الملوك اي هو ملك كبقية الملوك ولكنه ذو سلطة اعلى من الملوك وهو ملكهم وفقط حتى ان تسمية - يهود - في العربية هي ترجمة من العبرانية والأرامية بمعنى - شعب الله - اي اذا سؤلوا من انتم اجابوا ذلك لأنهم تواجدوا على الحدود العازلة بين امبراطوريتين عظيمتين الرافدية والمصرية وهم لا يخضعونلا لهذه ولا لتلك و لا لملوك الرافدين ولا للفراعنة واعتبروا ان الله هو ملكهم حتى وان لم يراه احد وخير دليل ما اوردتموه في مقالتكم من عتاب موسى لله ولمقولة عاموس كذلك واجمع اغلب المؤرخين ان الله حتى ذلك الوقت سلطة اقتصاص وعقاب فقط و لم يكن يمثل اي بعد روحي ولا أي من تعاليمه فيها اية روحانية ( الوصايا العشرة دونت في بابل بعد 800 عام بعد الأسر)لملئ تذا اللراغ بعد مقارنتها بالأناشيد ارروحانية البابلية
معرفة هذه النقطة هامة لفهم العنف الدينوي في الأسلام واليهودية وكذلم المسيحية الكنسية في القرونىالوسطى التي اخذت بالعهد القديم ولكن ا


4 - الانفع للناس والاصح نشر التنوير والعلم والمنطق الس
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2022 / 9 / 1 - 18:33 )
والمنطق السليم والابتعاد عن محاججة اهل الدين بمنطق الدين-نحن على مفترق طريق اما ان نعطي للعقل وبالتالي للعلموالتكنولوجيا دورها في تفسير ى الانسان والطبيعه والمجتمع وباءن العمل البشري هو الذي ينتج لاشباع حاجات البشر لاستمرار الحياة وليست اية قوة غيبيهوليس هنالك شئ اسمه الارزاق وانما توجد المنتوجات التي ينتجها البشر بعملهم-ليس ضروريا محاربة الاديات الا بمقدار اضرارها بالبشر فالداعي لمعاجة المرضى ببول البعير مجرم عادي ومخرب مكانه السجن واحيانا المشنقه ليس لانه داعية للدين بل قاتل للناس بنشر الخرافه القاتله-وعلينا ان نبتعد تماما عن الدخول في الدينيات في عملنا من اجل التقدم الاجتماعي صحيح اننا في الاربعينات كنا نستعمل الدين كشئ اخلاقي ومنهج للعدالة الاجتماعية وحتى مظفر النواب اعتبر عدالة علي بن ابي طالب بعدالته شيوعيا-اننا لاترغب بالدخول بمعارك دينيه او مع الدينيين نحن ملزمون برفع وعي الفرد والمجتمع الى مستوى الانسان العصري لكي يكون فاعلا ولايكون اتكاليا وليعرف ان حياتنا نبنيها نحن البشر والحضارة الغربية خير معين لنا وما فيها من سلبيات خاصة تلك قبل مئات وعشرات السنين انها بسبب التطورالتدر

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح