الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة كتاب

رائد عبيس

2023 / 2 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة كتاب
إنجيل العقل
المنهجية الأنثروبوتكنيكية عند بيتر سلوتردايك







العقول لا تتشابه , ولا يمكن أن تتناسخ , ولكن يمكن أن تتشارك , بهذه الشراكة ,قد تتوارد الأفكار, وتختلف منهجياً وذاتياً داخلياً باطنياً وواقعياً, ومن هذا الاختلاف تقع حيرة العقل بأسئلته التقليدية والجديدة التي لا يبتعد عنها كثيراً عن سؤال الكينونة الذاتية, وما يتعاظم به من أهمية وجوده وتضخمه. متناقلاً بين همته بكبر المتأله, وخيبته العائدة به إلى حقيقة نطفته التي تكونت بنسيج أسطوري مشابه لحقيقة إرادة الآلهة, وبين الواقعية البايولوجية التي استقرت برحم تكوينه.
لذلك العقل دائماً ما يسوغ ويقدم لنا أناجيله الواعدة بإمساك الحقيقة الخضراء منذ العهد البابلي إلى آخر حلم بشري على هذه الأرض.
قد نجد عناوين مختلفة لهذه الإنجيلية , وطرق مختلفة , ومناهج شتى , تغور بفلاسفتها ومفكريها إلى أعمق بحث أركيلوجي وأعلى أرتفاع يمكن أن يشاهده المرء من دون أن تنقطع رقبته . كانت جزء من هذه الوعود في الشعر , وجزء منها في الفن , وجزء آخر في الفلسفة التي لا تعبر عن كل الحكمة ولا تمثلها, وجزء آخر في الحياة العملية "المنجز اليومي" الذي يقدمه العامل البسيط بعيداً عن العولمة , وجزء آخر يكمن في معالم النجاح وبشارته على وجه طفل ذكي واعد, ومرة نجده في حلم حكم العدل وقائده , وأصبح منذ عهد وبشكل أقوى مع العلم, وما يقدمه لنا من منجزات الرفاهية, والترف, وتقنيات تيسير الحياة, من دون مناعة وتحصين. تلك التي يدافع عنها بيتر سلوتردايك في حياة المجتمعات.
فالإنسان يبحث بالعادة عن أي بشارة ,حتى لو كانت في حلم جميل , المهم هناك أمل منتظر يناغمه عسى أن يكون بديلاً عن بؤسه الراهن.
أخذ بيتر سلوتردايك أمله وبشارته من وحي العقل, من إنجيل العقل, لا بكونه توصيف محدود بقدرة التفكير, بل بكل ما أنتجه العقل وتأريخه , فتاريخ الفلسفة هو تأريخ العقل, الذي يأخذ من مواهبه طرق لنقل بشاراته الى مُريديه بالخلاص, أو بالمنهج, أو بالفكرة, أو بالرأي, أو بالحكمة, أو بالوسطية الأخلاقية, أو بالمنطق. فللعقل تأريخ انتصارات, وللحكمة تأريخ من السلم, وللمنطق تاريخ من العلم والتقدم.
لا تنفك القوة عن العقل , بل لعل أجمل صفاته هي أستعداداته الدائمة على فرض قوته على جميع ما دونه . لذلك كانت علاقته بالدين هي علاقة التصديق, والقبول, والتسليم, بما يستقر في قناعته, ويكمل حكمته, ويقوي رأيه, لذلك لا تعتمد تباشير الدين بالخلاص أو الهلاك, الا على جملة من المسلمات العقلية الواقعية بمآلات المستقبل المكابر عليه جهلاً, والمرفوضة تعنتاً, وأستكباراً.
قد حمل لنا تاريخ الفلسفة منذ اليونان, علامات النصر بالعقل وحده , مستبعداً تارة الدين , وتارة الحس , وتارة أخرى الوجدان, وتارة رابعة الحدس , و تارة خامسة الأخلاق بما يلائمه. ولم نجد ما يكمل للإنسان المخاطب علامات إنجيلية النصر, لا بقوة بيان ولا بقوة الشعر.
هنا نطق نيتشه, وأعلن تذمره المر على تاريخ الفلسفة , وبدأ يلوح ببشائره الإنجيلية لا نقصد بها الدينية أي الكتاب المقدس "الانجيل" بل إيماءات عقله ببشرى الخلاص من هلاك العقلانية المفرطة التي وصمت بها الفلسفة نفسها وتاريخها من دون جدوى قبول الإنسان واستقراره بأخلاق عقله.
أي فلسفة يا ترى تحمل بشائر الخلاص , وهي لا تمتلك أدوات كماله ؟ وأي منهج يمنح تلك الأدوات قوتها لإثبات إخلاصها بخلاصها ؟
بدأ القلق النيتشوي يدب في نفوس قارئيه , ويثير بهم ولع العود إلى مصدر إنجيلية العقل , هل هو تاريخ العقل نفسه ؟ و هل هو تاريخ الفلسفة ؟ و هل هو تاريخ الدين ؟ وهل هو العلم ؟ وما حدود العقل وأناجيله المتعددة ؟ ونذكر منها على سبيل المثال : الأسطورة , الشعر, الفن, العلم وخياله. من هنا عمد الفيلسوف بيتر سلوتردايك إلى منهجية جامعة لكل متقاربات هذه الحدود, فكانت باعتماده منهجية "الأنثروبوتكنيكية", كوسيلة لمحاكاة كل ما يصلح الإنسان من منافذ معرفية, أو أدبية, أو علمية, أو وصف موجز لكل معاناة الإنسان المعولم بقواعد التجارة, والربح, والحرب, والسلم, والعرض, والطلب.
في هذا الكتاب عرض لهذه المنهجية, جاءت لوصف بُعدٌ آخر من أنشغالات الفيلسوف بيتر سلوتردايك على نقطت الخصام بين المعرفة والأنظمة التي حاولت أن تجعل من الإنسان بهيمة مروضة - كما أشار لذلك في كتابه المثير للجدل "قواعد الحضيرة البشرية "- بما تكيفه التكنولوجيا, والأنظمة السياسية المالكة لها, لا يخرج ذلك من مشاغبات بيتر سلوتردايك ومنهجيته الكلبية السينوبية الرافضة لمعالم الإنسان المعاصر التي لا تشبه معالمه الآدمية ! والتي ننتظر من العقل إنجيلية جديدة بالخلاص, يُحقق بها العود على ما يُملك الإنسان إنسانيته.
ولد هذا البحث من انشغال معرفي بمآلات العقل, وتموجات الأفكار, وطروحات بيتر سلوتردايك المتعبة, والمثيرة للنقاش الجدلي, بين تيارات الفلسفة ومناهجها وتوظيفاتها المعاصرة لكل تاريخ العقل وراهنه.
وكذلك من الدفع الحثيث بإظهاره من قبل الأخ والصديق "علي العطار" رئيس تحرير سلسلة نادي الأدب الحديث , فله كل الشكر والعرفان على هذه البادرة. كما نشكر الاستاذ عبد المنعم القريشي الخبير اللغوي المصحح لهذا الكتاب.

المؤلف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة وصفقة تبادل.. تعثر قد ينذر بانفجار| #غرفة_الأخبار


.. إيران والمنطقة.. الاختيار بين الاندماج أو العزلة| #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: اجتياح رفح سيتم قريبا سواء تم التوصل لاتفاق أم لا


.. بلينكن يعلن موعد جاهزية -الرصيف العائم- في غزة




.. بن غفير: نتنياهو وعدني بأن إسرائيل ستدخل رفح وأن الحرب لن تن