الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاوية بن أبي سفيان – التاريخ يكتبه المنتصرون

نصر اليوسف
(Nasr Al-yousef)

2023 / 2 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قبل أن أدخل في صلب ما أريد كتابته، أود أن ألفت إلى أن كلُّ حدثٍ (كبيراً كان أو صغيراً) له - عـلى الأقَـلّ - روايتان غير متطابقتين تماماً. والأدلة على ما أقوله - لا حصر لها. ولنأخذ على سبيل المثال الأحداث التي جرت في سوريا على مرأى ومسمع الأجيال المعاصرة، بما في ذلك: الانقلابات العسكرية، الوحدة مع مصر والانفصال عنها، انقلاب الثامن من آذار 1963، انقلاب 23 شباط 1966، هزيمة حزيران 1967، انقلاب 16 تشرين الثاني 1970، حرب تشرين التحريكية 1973، مجازر تدمر وحلب وجسر الشغور، ثم مجزرة حماة الكبرى 1982، الصراع على "المزرعة وأقنانها" بين الشقيقين، ثم التوريث، ثم.. ثم.. وصولاً إلى زيارة رأس ما يسمى بـ"النظام" إلى سلطنة عمان..
- هل هناك روايتان متطابقتان - أو حتى متقاربتان - لأيّ منها؟
- هل هناك تقييمان متطابقان - أو حتى متقاربان - لأيّ من الشخصيات التي لعبت أدواراً رئيسية فيها؟
وحتى اللقاء الغرامي، مُقدماتُـه ووقائـعُـه تُـرْوى بطريقتين مختلفتين من قِبَلِ طرفيه!
من هنا، فإن على من يريد أن يحكم بــمــوضــوعــيــة على شخصية بحجم معاوية بن أبي سفيان:
• أن يأخذ ما ذُكـر آنـفـاً بالحسبان،
• أن يأخذ بالحسبان أن "الدولة الأموية" أسـقطها "العباسيون" الذين كانوا يكنّون كُـرْهاً شـديداً لكل ما يمت لـ"بني أمية" بِـصِـلـة، والذين لم يدّخروا جهداً في سبيل شَـيطنة الأمويين، وطَمس كل ما أنجزوه،
• أن يأخذ بالحسبان أن "العنصر الفارسي" لعب دوراً كبيراً في إدارة "الدولة العباسية" منذ صعودها، ودوراً رئيسياً في النصف الثاني من عمرها... ومن النافل التذكير بأن معاوية وَجّـه صفعة شديدة جداً للفرس عندما ورّث ابنَه يزيداً الحكم، وحال دون وصول زمام الأمور إلى يد الحسين بن علي - صهر العائلة التي كانت تحكم الإمبراطورية الفارسية، قبل أن تسقط على يد العرب.
وهكذا، راح المنتصرون العباسيون والفرس يكتبون تاريخ الأمويين حسب مزاجهم، وحسب ما تقتضيه مصالحُهم، فصوروهم على أنهم: مرتـدّون، فاسقون، كفار، سِـكّيـرون، مهووسو جنس، وما إلى ذلك من قبيح الصفات الأخلاقية...
أنا لست في وارد الحديث عن حُـسْـن إسلام "الطلقاء" وصحته من عدمهما، فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله. لكن الموضوعية تقتضي أن أذكِّــرَ بأن حُكمَ بني أمية استمر أكثر من 80 عاماً، ولو أنهم كانوا - فعلاً - يُعادون الرسالة المحمدية (الـفَــتِــيّــة آنذاك) أو يكرهونها، كما يزعم أعداؤهم، لاستطاعوا فعل الكثير في هذا المجال. أما الواقع الملموس فيقول العكس تماماً. إذْ لا يوجد بين مئات الملايين، الذين يُحسبون على الأمويين، من يقول: يا معاوية مدد!؟ أو: يا يزيد أغثني!؟ أو: هشام بن عبد الملك (عليه الصلاة والسلام)... وما إلى ذلك.
ومن المضحك أنّ من يُـعادون معاوية - بدعوى أنه رفَـض "الشورى" وأسس لـ"التوريث" - هم أنفسهم يؤيدون توريث علي لابنه الحسن أو للحسين، لا فارق عندهم! وهؤلاء أنفسهم يدينون "الفتوح الإسلامية" باعتبارها عدواناً على جيران لُـطَـفـاء مسالمين، ويتناسون أن كل بلداننا كانت تحت احتلال إمبراطوريتين متصارعتين، هما: الفارسية والبيزنطية.. الأجنبي...
على صعيد آخر، من المسَـلَّـمِ به أن محاكمة شخص مات قبل 1400 سنة، وإطلاق الحكم عليه استناداً إلى قوانين وأعراف اليوم - أمر لا يمت للعدالة ولا للإنصاف بأية صلة. ومن يفعل ذلك، ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: "القصة مو قصة رمانه، إنما النفوس مليانه".
وأخيراً، وليس آخراً – تفيد كل المعطيات الملموسة الثابتة بأن الأمويين، تمكنوا بحكمة واقتدار من حجز مكانةٍ لائقة - على خارطة العالم - للعرب والثقافة العربية والعلوم العربية؛ عبر دعم وتـرسـيخ أسـس الإمبراطورية العربية - الإسلامية، التي وضعها وطورها أسلافُهم خلال 3 عقود، (ابتداء بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وحتى نهاية خلافة عثمان بن عفان) ثم توسيع رقعة هذه الإمبراطورية...
وهذه المقدمات والنتائج مجتمعة تجعل من حق وواجب كل عربي حقيقي أن يُـقَـدّر معاوية بن أبي سفيان حق قدره، ويفتخر به كما تفتخر بقية الأمم والشعوب بأعلامها وقادتها التاريخيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا