الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سَلَف مريض وخَلَف ناقل للعدوى

نصار محمد جرادة
(Nassar Jarada)

2023 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كبسولة : أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ ... فاتّبعْهُ فكلّ عقلٍ نبي

ابن حيان (721-815 م ، عربي الأصل) وابن المقفع (724-759 م ، فارسي الأصل) والجاحظ (776-868 م ، عربي الأصل) والكندي (805-873 م ، عربي الأصل) والرازي (865-925 م ، فارسي الأصل) والفارابي (874-950 م ، تركي الأصل) والتوحيدي (922-1023 م ، فارسي الأصل) وابن الهيثم (965-1040 م ، عربي الأصل) والمعري (973- 1057 م ، عربي الأصل) وابن سينا (980-1037 م ، فارسي الأصل) وابن طفيل (1110-1185 م ، عربي الأصل) وابن رشد (1126- 1198 م ، عربي الأصل) وغيرهم من أفذاذ ماضينا الذين أثروا الحياة الفكرية والعلمية والأدبية في الدولة العربية الناهضة الفتية في العصرين العباسيين الأول (750-846 م) والثاني (847-1258 م) ارتقوْا وحلّقوا عاليا وصاروا روادا ألمعيين ، أساتذة وقادة فكر ، ينابيع علم وحكمة ، منارات هدى لنا ولغيرنا من الشعوب والأمم المجاورة التي تعرفت عليهم من خلال ترجمة أعمالهم ودراستها وهضم جُلّها بعد أن عَظّموا العقل الذي قادهم بدوره إلى تحقيق إنجازات مُبهرة بمعايير عصرهم في حقول الفلسفة والمنطق والطب والصيدلة والهندسة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك والجغرافيا والبصريات والموسيقى والشعر والأدب وبعد أن نزعوا هالات القداسة المزيفة المصطنعة عن شيوخ حاضرهم وماضيهم القريب المُمَجّدِين فضلا عن إخضاع منتج هؤلاء الفكري الخرافي التجهيلي التطويعي للنقد والتشريح !!

لذلك لا غرو ولا غرابة في محاربة رموز السلطة الدينية المُتَكلّسين على اختلاف مذاهبهم لهؤلاء الرواد وفي وصفهم بالزنادقة والمبتدعين وكذا في مناهضة كل من سار على نهج أولئك الراكدين أو تتلمذ على أيديهم لكل تطور معرفي ولكل فكر مغاير ناقد حر !!

وبعد : تقودنا أمهات كتب التاريخ العربي للوصول لكثير من الحقائق الصادمة والعجيبة في آن والتي يمكن استخلاصها بسهولة نسبية ويسر ملحوظ من تلك الصحف العتيقة التي ورثناها وصارت اليوم متوفرة بين أيدينا ، سهلة المنال ، منقحة ومحققة ، إذا كنا نتمتع بقدر معقول من الفهم والوعي ، الحياد والموضوعية في دراستنا المعمّقة لتاريخ المنطقة العربية المُلتَبس والمُبهم ، أو بمعنى آخر إذا تخلصنا من الغرض والهوى والمصلحة والتعصّب المقيت والتقديس الأعمى للسَلَف والسابقين !!

وتجدر الإشارة هاهنا إلى أن قسما وافرا من أمهات كتب التاريخ العربي المحتفى بها من مُمَجِّدي ماضينا السياسي القاتم وتاريخنا الدموي العنيف تصبح هي ذاتها في نظر قسم من هؤلاء الدجاجلة مشكوكا في صحتها وفي نسبتها إلى مؤلفيها الحقيقيين إن كانت بعض الروايات الصريحة الواردة بها فاضحة لعوار شديد لا يمكن إخفاؤه أو ستره أو لا توافق هوى نفر ممّن سطوْا على وعي شعوبنا العربية بسم الله وبسم الدين !!

وتتجلى الخديعة الكبرى التي يمارسها رجال الدين باقتدار عظيم أوضح ما يكون في فكرة دعويّة قديمة ثبت لدهاقنة الدين فاعليتها وجدواها لذا نجدهم يَجترّونها باستمرار ويحرصون على تطبيقها بمكر ودهاء ، مفادها ضرورة إقناع أكبر عدد ممكن من الجموع الساذجة المخدرة المغيبة بأن لا وصول لخير الخالق العميم في الدنيا ولا نجاة من عذابه الأليم في الآخرة إلا بالانصياع التام والانقياد الأعمى لما سبق وقرره الرب جل وعلا ، ولن يعرف الناس ذلك مباشرة أو بسهولة ويسر بسبب استحالة التواصل مباشرة مع العلي القدير وموت جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام وصعوبة الإحاطة بالتفاصيل الكثيرة الغامضة والشائكة للأديان بدون لوائح تفسيرية مشيخيّة أو كهنوتيّة ، وبديهي والحال هكذا أن يكون الطريق الوحيد المتاح أمام جموع الناس للنجاة والفوز ومعرفة الحلال والحرام ، الحق والباطل وغير ذلك من مسائل فقهية هو طريق رموز السلطة الدينية ، مالكي الحقيقة المطلقة وممثلي الرب الحصريين في عالمنا الزاهي الرائع الفسيح الذي أصبح كالحا وكئيبا ، ضيقا ومتناحرا بسبب وجودهم فيه !!

وقد مرض رجال ديننا المسلمون في وقت مبكر من تاريخ أمتنا مرضا اعتقاديا عضالا لا شفاء منه ولا براء وأمرضوا الجموع المعاصرة لهم معهم وكذا المتعاقبة التي أخذت عنهم وآمنت بصحة فكرهم بلا تدقيق أو تمحيص ، فقد زوّروا وعي الناس السياسي وشوّهوا منهجهم القيمي وأفسدوا ذائقتهم الإنسانية يوم قدّموا إقامة الشعائر على إقامة العدل وجعله واقعا في حياة الناس !! ويوم اختلقوا نصوصا للطاعة بائسة عمياء وزعموا وجوب تطبيقها في المجال السياسي العام ، ويوم قرنوا طاعة الله بطاعة أولي الأمر على اختلاف مراتبهم وتجاهلوا علاقة القهر السياسي بالتخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي والقيمي والأخلاقي الذي عانت منه شعوبنا ولا تزال منذ أكثر من ألف عام !! ويوم تحالفوا مع الطغاة الذين حكموا شعوبنا بالحديد والنار وخنعوا للمتغلّبين لقاء فتات دنيا وهم الصادحون على المنابر بنعيم الآخرة العظيم الذي ينتظر عباد الله الصَالِحين المُصلِحين !! ويوم صمتوا صمت القبور عن قول كلمة حق في وجه سلطان جائر عملا بتقية مباركة !! ويوم روّجوا للحكم العائلي القبلي وشرعنوا ولاية العهد بالتوريث وعدّوا ذلك جائزا ومقبولا وغير متعارض مع صحيح الدين !! ويوم غضّوا الطرف عن شورى لم تطبق يوما كما ينبغي فظلت بكراً عذراء ونظرية وبيعات فاسدة لا حصر لها حصلت برضا صوري موهوم !! ويوم تغنوا بعدل عمر وعدل حفيده وسميّه الأْموي وتناسوا الظلم الكبير الواقع على خلق الله في كل بقاع الأرض التي ابتليت قديما باحتلالنا البدوي لها وسموا ذلك فتحا !! ويوم ساووا بين القاتل والقتيل في كل المعارك البينيّة التي سالت فيها دماء المسلمين أنهرا كالجمل وصفين والنهروان وكربلاء والحرة والزاب ودانداناقان ومرج دابق والريدانية وكذا معارك ملوك الطوائف البينيّة في الأندلس على كثرتها وتعددها فضلا عن معارك بعض هؤلاء مع دولة المرابطين في المغرب الأقصى !! وكذا يوم خرسوا ، صمّوا آذانهم وبلعوا ألسنتهم ورضوا بتسلّط الأمويين على الأمة قرابة قرنا من الزمان وبتسلّط العباسيين قرونا كالحة طِوال ومن جاء بعدهم من الفاطميين والمماليك والعثمانيين الغلاظ الأجلاف وصولا للعائلات العميلة المتآمرة المفعول بها بامتياز في خليج الزفت والقار !!

وبسبب غياب الوعي والجهل الوافر المستشري المغلف بالتقوى الصورية والإيمان القشري الظاهري وعدم قدرة الناس البسطاء على التمييز بين المقدّس ومن يشتغلون بالمقدّس تشكّلت في المسافة القصيرة الفاصلة سطوة رهيبة عارمة لدهاقنة الدين وبدأ الناس يعبدون في اللاوعي شيوخهم وكهّانهم لا ربهم وخالقهم وعلى أثر ذلك ظهرت الانحرافات الاعتقادية الكبرى والعلل الخطيرة ، تفشّى المرض واستفحل الداء وصار مزمنا عصيا على العلاج وانتقلت العدوى من جيل إلى جيل واستسلمت الجموع لقدرها المحتوم ، ضمر وعيها المختطف واندثر ، انزلق عقلها المغتال وانكسر ، تدحرج بداية ببطء شديد ثم هوى سريعا بفعل تأثير جاذبية التخلف القوية الغالبة ولا يزال يتابع سقوطه الحر غير المنتظم من سطح خفيض إلى سطح أعمق دون أن تحسّ أو تدري الجموع المخدّرة المغيّبة بحجم المصيبة وعِظم الكارثة !!

وبعد : قد يكون مرض شيوخنا الاعتقادي أمرا طبيعيا محتوما عائدا لسفاهة عقولهم وضحالة وعيهم وسوء فهمهم وضعف تقديرهم وسذاجة إيمانهم ورداءة تفسيرهم للنصوص التي حُمِّلت ربما ما لا تطيق من معان وكذا لكونهم بشراً عاديين يخطئون ويصيبون ولكن غير الطبيعي وغير المحتوم أن نظل بعد كل هذا التطور المعرفي والفلسفي ، العلمي والتقني الذي عرفته وخبرته البشرية أسرى لتصورات بدائية ومفاهيم بالية صنعها صعاليك البادية الدمويون أو تخيلوها عن معنى الحياة والوجود ، مفاهيم تتناقض مع كثير من الحقائق العلمية والقيم الأخلاقية والإنسانية السامية فنظل مشدوهين مشدودين رغم أنفنا إلى فكر سخيف وقاع سحيق لا مهرب منه ولا فكاك !!

لهذا وغيره أجزم بأن شيوخ ماضينا الكبار لم يكونوا يوما يدافعون وهم يتخندقون بين الآيات والأحاديث ، النصوص والتفاسير عن المقدّس بل عن دورهم ومكانتهم ، مكاسبهم وأرزاقهم التي حازوها غصبا أو نصبا ، وبأن حالنا كشعوب وأمة يمكن أن يكون أفضل بمليون مرة من حالنا البائس الراهن وموازيا لحال أرقى أمم الأرض قاطبة لو لم يحارب جهلنا المقدس وعينا المدنس فيتغلب الأول علي الثاني ويتصدّر المشهد وكذا لو كنّا لا نزال قادرين في عصرنا الراهن على إنتاج تلك النماذج الراقية المبهرة من العقول المبدعة المفكّرة التي أشرنا إليها في صدر مقالنا وتسليمها مقابض عجلات التحكم بدفاف سفننا القديمة الجانحة للإبحار بها في محيطات العلم البعيدة العميقة الشاسعة بغرض تحقيق هدف واحد وحيد وهو إيصال بلداننا ومجتمعاتنا وأجيالنا القادمة إلى بر الأمان وواحات التقدّم والتطوّر ، الإنتاج والاكتفاء ، الغنى والرخاء ، بدلا من بقائنا على هامش الحضارة بلا أدنى فائدة أو تأثير ، عالة على الإنسانية ، فقراء متسولين ورهائن لتراث فكري قروسطي بدائي ساذج تجاوزه الزمن ، يعاند التطوّر ، يبجّل الغزو والسطو والاستعباد والسبي ويعلى من شأن الخرافات والأساطير !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للكاتب
ابو لهب ( 2023 / 6 / 28 - 09:38 )
تجارة الأديان ما تحتاج رؤوس اموال يا اخي تحتاج رؤوس فارغة دام فهمك


2 - لقد استعبدونا روحا وجسدا
انسان حر ( 2023 / 6 / 29 - 22:07 )
لقد استعبدونا روحا وجسدا منذ الف واربعمائة سنة باسم الله


3 - اوكيه
قثم بن عبد اللات ( 2023 / 6 / 30 - 02:41 )
االله بحسب الكهنوت الاسلامبولي قواد والجنة بيت دعارة وليلة حمراء ممتدة لا تنتهي
حيث الغلمان والخمور والنسوان وافتضاض الابكار
آمن يا مؤمن بقى ونل الجائزة الكبرى
اخلص وخلصنا


4 - لقد خدم الاسلام الطغاة دوما
ضاحي البراك ( 2023 / 6 / 30 - 13:12 )
وهو ليس دينا خالصا بل وسيلة للتحكم بالناس وقمعهم فهذا ابن حنبل يقول لو ان لدي دعوة لادخرتها للامام وهذا الحسن البصري كان يقول الحجاج عذاب الله ولا يمكن مواجهة عذاب الله بالسيف ولكن بالاستغفار


5 - اساطير بشرية ليس الا
ملحد حر ( 2023 / 7 / 1 - 02:36 )
لو كانت استراليا مهد الاسلام لكنا اليوم نشرب بول الكنغر ولو كانت روسيا مهد الاسلام لشربنا بول الدب ولو كان القطب الشمالي مهد الاسلام لكنا نصلي صلاة الاستشماس بدلا من الاستسقاء ولو كانت اليابان مهد الاسلام لكان الاكل بالعيدان والشهادة هي في قتال الكوريين ولكان الحج الى هيروشيما وناجازاكي ولكانت مازدا وسوزوكي ومتسوبيشي خير المركوبات وزينة ما بعدها زينة


6 - سؤال لحضرتك
فراس ( 2023 / 7 / 2 - 18:11 )
كيف يمكن التوفيق بين آية لكم دينكم ولي دين ونقيضها آية إن الدين عند الله الإسلام !!!! ، وآية لا إكراه في الدين ونقيضها آية ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين !!!! ، وآية فاعف عنهم واصفح ونقيضها آية وقاتلوا الين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر !!!! ، و آية فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ونقيضها آية واقتلوهم حيث ثقفتمموهم


7 - ببساطة شديدة
سامر ( 2023 / 7 / 2 - 20:47 )
يمكن من خلال تغيير بعض المسميات جعل الاحتلال فتحا والاغتصاب ملك يمين والنهب والسطو اغتنام والذكورية قوامة وضرب المرأة تأديب والخرافات معجزات والزواج من طفلة سنة مباركة والرجعية والتخلف والهمجية سلفية والارهاب جهاد وقتل المخالف بالرأي حد ردة


8 - سيف الله
عبد الله ( 2023 / 7 / 5 - 02:07 )
كيف يقرن النبي العروبي محمد بن عبد اللات اسم الله بأسم مجرم دموي قاتل زان كخالد بن الوليد المخزومي ويلقبه بالسيف المسلول وهو القوي العزيز والرحمن الرحيم


9 - بني المسلمون الاوائل دولتهم
باش مهندس ( 2023 / 7 / 5 - 17:39 )
بني المسلمون الاوائل دولتهم ومجتمعهم البدائي على معايير عنصرية لا انسانية لذلك ضعفت تلك الدولة وذلك المجتمع وإنهارا بعد عدة قرون لغير رجعة ولا أسف على ذلك


10 - بعد التحية
رغيف خيز يابس ( 2023 / 7 / 5 - 22:04 )
وجدت البرلمانات لتشريع القوانين ووجدت الاديان لتوجيه الشعوب و التحكم بها وقهرها واستعبادها اسوأ استعباد وتقسيم البشر الى كفار ومؤمنين ولتعميم مفهومين خطيرين جدا هما : مفهموم الحلال والحرام ومفهوم الحق والباطل المطلقين بدل مفهوم الخطأ والصواب النسبي ... ومن هنا نبعت الكارثة .. مع احترامي و تحياتي


11 - علمتني الحياة أن
مصطفى ( 2023 / 7 / 5 - 22:20 )
كثير من الناس يحجون فقط ليتطهروا من ذنوبهم ومعاصيهم المتخيلة وليغمرهم شعور زائف بالروحانية وليحصلوا على اللقب وليس محبة وورعا وايمانا


12 - كل المسلمين
siraj ( 2023 / 7 / 7 - 01:54 )
اعتقد ان المسلمين جميعا تنازلوا اختياريا عن عقولهم بموجب عقد طوعي ممتد لنهاية اعمارهم


13 - النظارة العمياء
غريب ( 2023 / 8 / 4 - 05:40 )
الكل يلبس نظارة القدسية العمياء من يخلعها يرى الحقيقة عارية كاملة


14 - ok
مان ( 2023 / 8 / 10 - 00:03 )
رجال الدين هم الآلهة في الحقيقة والله مجرد واجهة ..... ستارة او ديكور


15 - ثراث بالي
عربي ( 2023 / 8 / 11 - 06:20 )
لا تعلموا اولادكم السباحة وركوب الخيل بل علوم الذكاء الاصطناعي والكمبيوتر والبرمجة وركوب المرسيدس والفولكس واجن والهونداي والفورد


16 - الصفر
سامي ( 2023 / 9 / 4 - 21:27 )
اخترع العرب الصفر وبقوا دونه وتحته وعلى يساره للأسف الشديد