الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الشباب السوري بالقراءة: أزمة أم مؤشر أزمة ؟

مايا جاموس

2006 / 11 / 3
المجتمع المدني


من المتفق عليه أن أزمة الثقافة أزمة عالمية، تتدخل في خلقها أسباب عديدة قد يكون التقدم العلمي التكنولوجي في مقدمتها. لكن يأخذ الحديث منحى آخر عندما يصبح عن الثقافة في المنطقة العربية.
هنا في سوريا لا توجد إحصائيات لمعرفة علاقة الشباب بالقراءة بشكل دقيق لذا يبقى الأمر ضمن حدود التصورات الشخصية القائمة بشكل أساسي على الملاحظة والتحليل الشخصي.
لكن ثمة مؤشرات تفيد بأن الشباب السوري في حالة عزوف عن القراءة، من بينها أرقام مبيعات الكتب في المعارض أو حتى عدد النسخ الموزعة من الكتب وحساب النسبة التقريبية للشباب من بين المشترين.
ومن أهم وأغرب الظواهر المتعلقة بالقراءة هي الكتاب الشهري المجاني الموزع سواء مع جريدة الثورة " الكتاب للجميع " أو مع تشرين" كتاب في جريدة" أو حتى الكتاب الموزع مع البعث ، حيث تنفذ الجريدة وتبقى أعداد من الكتاب الشهري المجاني لدى البائع. في حين تلقى الكتب التجارية مثل كتب الطبخ والأبراج وبعض الكتب الدينية والتراثية، تلقى إقبالاً لا يقارن بالكتب الجادة.
وليس منطقياً أن نعزي سبب عزوف الشباب عن القراءة إلى الناحية المادية بمعنى سعر الكتاب فحسب، رغم أهمية هذا الجانب في تشجيع الإقبال على شراء الكتاب. وحقيقة الأمر أنه حتى الآن يمكن اعتبار أن أسعار الكتب مرتفعة بالنسبة إلى الشباب بشكل خاص. لكن يمكن الحصول على كتب جيدة بل هامة بأسعار رخيصة نسبياً مثل كتب وزارة الثقافة التي تباع في المعارض بحسومات يصل خلالها سعر الكثير من الكتب إلى 50 ليرة سورية ( دولار واحد).
وأكبر مثال هو الكتب الشهرية المجانية مع الجرائد والتي سبق ذكرها . إضافة إلى ظاهرة بيع الكتب على الأرصفة و الشوارع، المنتشرة في المدن السورية والتي تشكل أهم مكتبات القرّاء حيث تباع فيها الكتب بأسعار رخيصة جداً. كل ذلك يجعل من الأمر ظاهرة تدعو إلى السؤال: لم لا يقرأ الناس وبشكل خاص الشباب منهم؟
نتحدث عن الشباب السوري ، أي عن جيل له طبيعة وتركيبة خاصة ، جيل همّش عبر فترة من الزمن وأُبعد عن كل شيء، عن كل ما له علاقة بالهم العام و بالثقافة، هو جيل ثمة من ينوب عنه ويعمل بالنيابة عنه ، لذا فمن الطبيعي أن يكون شعور الشاب هو اللامبالاة ، فهو غير معنيّ بالكتاب لأنه أصلاً غير معني بموضوع الكتاب وبعيد باهتمامه عن ذلك ، ولا يملك الوعي الكافي بقيمة الكتاب ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يفتقد الشاب إلى طريقة لتسويق، أو استخدام وتوظيف معارفه فيما لو دفعه فضوله إلى الاهتمام بكتاب ما غير التجاري. إذاً لم القراءة ولم الكتاب خاصة وأن سعره لا يشجع ؟!
إن الاهتمام بالمعرفة عموماً وبالقراءة خاصة ونشر عاداتها بين الشباب وتعريفهم بأهميتها إنما يحتاج ذلك إلى جهود مؤسساتية .
وطالما كانت المؤسسات التعليمية التي تمسك بالشاب منذ طفولته ، طالما كان أسلوبها يقوم على التلقين، يحتل فيه الكتاب المدرسي موقعاً مقدساً من حيث كونه المصدر الوحيد للمعرفة والأداة الوحيدة في تنفيذ المنهاج المقرر. وترتبط قدسيته بالامتحان نهاية كل عام دراسي ، فبقدر ما يحفظ الطالب من المعلومات التي يتضمنها ذلك الكتاب " سينفّد" نفسه في الامتحان.
وهكذا عند نهاية كل موسم امتحانات سيكون الطالب قد ارتاح من كومة من الكتب المدرسية، ولم يعد بحاجة إليها أو إلى أي من معلوماتها. بذلك تبتعد المؤسسات التعليمية بنهجها عن تشجيع أسلوب البحث و بالنتيجة عن حب القراءة واتخاذها عادةً.
أما المؤسسات الثقافية كوزارة الثقافة ومجموعة المراكز الثقافية التابعة لها ، فإنها ببيروقراطيتها وافتقادها إلى مشاريع وطنية جادة لتشجيع القراءة بين أوساط الشباب سوى تخفيض أسعار الكتب؛ في غفلة عن الواقع المتردي لعلاقة الشباب بالقراءة .
ثم تأتي المؤسسات المعنية بالشباب ( مؤسسات حكومية أو برسمها ) مثل منظمة طلائع البعث كجهة تمسك بالشاب طفلاً، وشبيبة الثورة واتحاد الطلبة ، فإنها هي الأخرى تفتقد إلى الخطط والمشاريع الوطنية حول القراءة وثقافة القراءة و الحوار، فما فعلته عبر سنوات عديدة هو تدجين الشباب ولجمهم و الابتعاد بهم عن الهم العام وفي أحسن الأحوال قولبتهم عبر تقديم ثقافة موجهة لهم.
وإذا أضفنا أن دور النشر هي الأخرى بالعموم، لا تحمل مشاريع وطنية جادة، تقتصر على الربح السريع، حتى أن الترويج للكتاب الجيد غائب على عكس الكتب التجارية من قبيل الأبراج والطبخ.
والأسرة السورية لم تعد القراءة من عاداتها أو ثقافتها. كل ذلك يجعل الأمر بحاجة إلى مؤسسات مدنية ترعى الثقافة وتساعد على نشر عادات القراءة والحوار بين الشباب، وهذه المؤسسات مفقودة في سوريا، والمجتمع المدني نفسه غائب أو مغيب، ولعلنا لو أردنا التفكير بحل أزمة القراءة من جانب كونها علاقة بين الشاب والكتاب فحسب، فدون أدنى شك سنصطدم بمشاكل كثيرة من بينها المدرسة والجامعة والمجتمع ككل وسيبدو الحل ضرباً في المستحيل بل واللاجدوى.
الأمر من وجهة نظري يحتاج إلى ما يمكن تسميته بالحراك على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بقضايا المجتمع الملحة والتي تهم كل فئاته بما فيها الشباب ...وهنا تكتسب الثقافة أهمية خاصة باعتبارها جزءاً من هذا الحراك ونتيجةً له، تجيب على الأسئلة المهمة في المجتمع. وبالتالي سيجد الشباب حاجتهم فيها، و في التاريخ الكثير من الأمثلة التي تدل على أن الثقافة تحتاج لمستوى عالٍ من الحراك السياسي والاجتماعي لتعيش.
وإلى ذلك الوقت سيبقى جيل الشباب يوصف بأنه غير قارئ وغير مهتم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا كشف التقرير السنوي لمنظمة -مراسلون بلا حدود- عن حرية ال


.. استشهاد الطبيب عدنان البرش إثر التعذيب بعد اعتقاله




.. الأمم المتحدة: الدمار في غزة لم يحدث منذ الحرب العالمية الثا


.. Thailand: How online violence and Pegasus spyware is used to




.. مداخلة القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في غزة حول تطو