الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ إنجلترا - 24 الملكة فيكتوريا

محمد زكريا توفيق

2024 / 2 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثامن والأربعون

فيكتوريا، 1837-1855.


كانت الأميرة فيكتوريا، ابنة دوق كنت، تبلغ من العمر ثمانية عشر عاما فقط عندما توجت ملكة على إنجلترا. كانت تعيش مع والدتها، دوقة كينت، أحيانا في قصر باكنجهام، وأحيانا في قلعة وندسور.

رأى الجميع كم كانت لطيفة، عندما تعثر أحد اللوردات، الذي كان كبيرا في السن، على الدرج عندما جاء لتكريمها، فنهضت هي من عرشها لمساعدته.

بعد ثلاث سنوات من تتويجها، تزوجت من الأمير ألبرت من ساكس كوبورج، وهو رجل ممتاز، قام بمساعدتها في جميع واجباتها الملكية، من وراء ستار.

لا شيء أجمل من الطريقة التي كانت يتعامل بها هذان الزوجان مع بعضهما البعض. لم تنس هي أبدا، كملكة، أنه زوجها وهي زوجته. وكان هو يعاملها دائما على أنها ملكة إنجلترا، وليس لديه سلطة فوق سلطتها على الإطلاق.

كان لديه فكر راق وبعد نظر، وحكم جيد على الأمور، يثق به الجميع. ومع ذلك، أبقى نفسه دائما في الظل، حتى تنال الملكة كل الفضل، فيما يتم القيام به من أعمال مجيدة.

لقد بذل قصارى جهده لتشجيع الصناعة وإنتاج كل ما هو جيد وجميل بوفرة. ليس فقط بأرخص الأسعار، ولكن بأفضل وأجمل طريقة ممكنة.

أقام المعرض العالمي، وهو مبنى من الزجاج، كان يدعو إليه كل الدول، لإرسال عينات من فنونها ومصنوعاتها. المبنى نفسه كان تحفة فنية حد ذاته. تم افتتاحه في 1 مايو 1851. العرض الأول، المعرض الكبير، لا يضاهيه عرض آخر، من بين كل المعارض الدولية العظيمة التي أتت بعد ذلك.

كان الناس يقولون أن المعرض العالمي، قد جعل جميع الدول صديقة. وكأن التباهي والتنافس بمنسوجاتهم وصناعاتهم الحديدية والنحاسية، ولوحاتهم الفنية وتماثيلهم، هي التي أبقتهم في سلام ووئام. لكن، بعد عامين فقط من المعرض الكبير، وعام واحد فقط من وفاة دوق ويلينجتون، اندلعت حرب عظيمة في أوروبا.

لطالما رغب الروس بشدة في غزو تركيا وضمها إلى إمبراطوريتهم العظيمة. فلقد وهنت عزيمة الأتراك، وكسرت شوكتهم، وباتوا أقل قوة، منذ فترة طويلة، وصارت لديهم مشاكل في حكم البلاد.

في أحد الأيام، سأل إمبراطور روسيا السفير الإنجليزي، السير هاملتون سيمور، عما إذا كانت تركيا، تشبه الرجل المريض للغاية، والمشرف على الموت قريبا.

عرف السير هاملتون سيمور ما يعنيه الامبراطور. وكان يعلم جيدا أن الإنجليز لا يعتقدون أنه من الصواب طرد الروس لسلطان تركيا. لذلك جعل الإمبراطور يفهم أنه إذا مات الرجل المريض، فلن يكون ذلك بسبب نقص الأطباء.

لم يقبل الإنجليز أو الفرنسيون ازدياد قوة روسيا بغزو تركيا وضمها إلى أراضيها ووصولها إلى البحر الأبيض المتوسط. لذلك، بمجرد أن بدأ الروس في مهاجمة الأتراك، تم إرسال الجيوش الإنجليزية والفرنسية للدفاع عنهم.

وجدوا أن أفضل طريقة للقيام بذلك، هي الذهاب ومحاربة الروس في عقر دارهم، شبه جزيرة القرم، في شمال البحر الأسود.

لذلك، في خريف عام 1854، هبطت الجيوش الإنجليزية والفرنسية، بقيادة اللورد راجلان والمارشال سانت أرنو، في شبه جزيرة القرم، حيث حققوا انتصارا كبيرا في أول هبوط لهم، في معركة ألما، ثم حاصروا مدينة سيباستوبول.

لقد كان حصارا طويلا جدا، وفي أثناء الحصار، عانى الجيشان من البرد والرطوبة، ومرض الكثير من الجند. لكن سيدة إنجليزية شجاعة، تدعى فلورنس نايتنجيل، خرجت مع عدد من الممرضات لرعاية المرضى والجرحى، وبالتالي أنقذت عددا كبيرا من الأرواح.

كانت هناك معركتان مشهورتان. أحدهما، بلاكلافا، عندما تم إرسال ستمائة فارس إنجليزي عن طريق الخطأ ضد بطارية كاملة من المدافع الروسية. قاتلوا بشجاعة حتى لم يتبق سوى نصفهم.

كانت المعركة الأخرى عندما تسلل الروس، في وقت متأخر من مساء يوم 5 نوفمبر، لمهاجمة المعسكر الإنجليزي. وكان هناك قتال مروع ليلا حتى الصباح الباكر، على مرتفعات إنكرمان.

لكن في النهاية، انتصر الإنجليز في المعركة. ثم حل شتاء رهيب أثناء حصار المدينة وقذفها بالمدافع. وعندما تم الهجوم في 18 يونية 1855، تغلب المدافعون على المهاجمين. وتوفي اللورد راجلان، وهو يعاني من الإرهاق والضيق.

بعد أيام قليلة، تم شن هجوم آخر. وفي سبتمبر تم الفوز بنصف المدينة. لكن توفي إمبراطور روسيا خلال الحرب، وصنع ابنه السلام، بشرط عدم تحصين سيباستوبول مرة أخرى، وأن يترك الروس الأتراك وشأنهم، ولا يحتفظوا بأي أسطول في البحر الأسود.

في هذه الحرب طارت الأخبار أسرع من أي وقت مضى. لقد تم استخدام الكهرباء والأسلاك النحاسية في عمل التليغراف. لأن لمسة المغناطيس لأحد طرفي سلك مشحون بالكهرباء، تجعل الطرف الآخر يتحرك.

ومن الحركة يمكن عمل نبضات، تشير إلى حروف بكود معين. وبذلك، أمكن إرسال الرسائل إلى أي مسافة بسرعة البرق. هذه هي أسلاك التلغراف التي كنا نراها إلى جانب السكك الحديدية في الماضي.


الفصل التاسع والأربعون

فيكتوريا، 1857-1860.


بعد حرب القرم، تم إحلال السلام، وكان الجميع يأمل أن يستمر. لكن، جاءت أخبار قيام قلاقل في الهند. لقد كانت إنجلترا تستعمر الهند، ولديها أراض شاسعة هناك. وكان الإنجليز يعتبرون أنفسهم حكاما على كل هذا البلد العظيم.

كان لدى الإنجليزي جيشا كبيرا هناك، إلى جانب السكان الأصليين الذين تم تدريبهم على القتال بالطريقة الإنجليزية. كان يطلق على هؤلاء الجنود الهندوس اسم "سيبوي".

الآن، يبدو أن الجنود الهندوس قد استاءوا من وجود الإنجليز. إلى جانب ذلك، ظهر نوع جديد من ذخيرة البارود "الخرطوش" يستخدم في الأسلحة النارية. واعتقد الهندوس أن هذه الخراطيش بها شحوم مأخوذة من الأبقار، وهذا ما يخالف تعاليمهم الدينية، فهم يقدسون البقر.

في ثورة عارمة، انقلبوا فجأة على ضباطهم الإنجليز، وأطلقوا عليهم النار. ثم ذهبوا إلى منازل الإنجليز، وقتلوا كل من وجدوه هناك. هرب البعض، وعوملوا بلطف من قبل الأصدقاء الهنود.

بعد ذلك، سار الجنود الهندوس، السيبوي، إلى مدينة دلهي، وأعادوا تنصيب الملك الهندي العجوز السابق. ثم قاموا بقتل كل شخص إنجليزي وجدوه في المدينة.

سارعت الأفواج الإنجليزية في الهند إلى البنغال، في محاولة لإنقاذ الإنجليز المحاصرين في المدن والأماكن القوية بالجنود الهندوس. وكان عدد كبير منهم في ثكنات في كاونبور، التي لم تكن قوية.

كان هناك أمير محلي يدعى نانا صاحب. كان صديقا للضباط الإنجليز، يخرج للصيد معهم، ويدعوهم إلى منزله. ظنوا أنهم سيكونون آمنين بالقرب منه.

لكن، لرعبهم، نسي نانا كل هذا، وانضم إلى الجنود الهندوس. وأدار المدافع صوب الإنجليز المحاصرين في أحد الثكنات. وكانوا يطلقون النار على كل من يخرج في طلب الماء.

أخيرا ، بعد يأس وبؤس، رفعوا الراية البيضاء، وسلموا أنفسهم لنانا. فقام بقتلهم جميعا. أطلق النار على الرجال في اليوم الأول، وسجن النساء والأطفال الصغار في منزل، حيث تم احتجازهم لمدة ليلة.

بعد ذلك، سمع نانا أن الجيش الإنجليزي قادم. فأرسل رجاله، في ثورة غضبه وخوفه، لكي يقتلوا كل المسجونين. وألقوا جثثهم في بئر عميق.

جاء الإنجليز في اليوم التالي. لم يتمكنوا من القبض على نانا، لكنهم عاقبوا جميع الأشخاص الذين كانوا معه. ولشدة غضب الجنود الإنجليز، لم يكن يرحمون أي جندي هندوسي.

كان هناك بعض الجنود الإنجليز في مدينة لكناو، يتوقون للذهاب لإغاثتهم. ولكن، كان يجب أخذ مدينة دلي أولا، حيث كان يقيم الملك القديم. لكنها كانت مكانا قويا جدا. لذلك، مر وقت طويل قبل أن يتم غزوها.

في النهاية، تم تفجير أبواب المدينة، وشق الجيش بأكمله طريقه إلى داخلها. ثم قامت إنجلترا بإرسال المزيد من القوات للمساعدة.

أخيرا تمكنوا من السير إلى لكناو. هناك، أسبوعا بعد أسبوع، انتظر الجنود الإنجليز، ورجال الأعمال، والسيدات، وزوجات الجنود، وعائلاتهم، وهم محاطين بالعدو، وكان يعيشون في أقبية.

كان الطعام رديئا وغير كاف لدرجة أن المرضى والأطفال الصغار كانوا يموتون جوعا، أو لعدم توافر العلاج. ثم جاءت المساعدة في النهاية، حيث قام السير كولين كامبل، الذي تم استدعائه من إنجلترا، مع جيش لإنقاذهم. وتعرض الجنود الهندوس للهزيمة في كل معركة. بذلك، انتهى التمرد، وهدأت الهند مرة أخرى.

في عام 1860، تعرضت الملكة، والأمة كلها، لخسارة فادحة في بوفاة الأمير ألبرت، زوج الملكة، بسبب الحمى، في قلعة وندسور. حزن عليه الجميع، كما لو كان قريبا أو صديقا لهم.

ترك تسعة أطفال، أكبرهم، فيكتوريا، الأميرة الملكية، وكانت متزوجة من أمير بروسيا. لقد فعل البرت كل شيء في وسعه لمساعدة البلاد للمضي قدما إلى الأمام. وعادة لا تعرف محاسن الرجال إلا بعد رحيلهم.

ثم أخذت البلاد على عاتقها، جعل المدن العظيمة أكثر نظافة وجمالا، وسكانها أفضل حالا. صحيح أن الطاعون لم ينتشر في إنجلترا منذ عهد تشارلز الثاني، لكن تلك الأمراض الخطيرة، مثل الكوليرا وحمى التيفوس، تأتي من التلوث، وعندما لا يهتم الناس بالنظافة.

المرة الأولى التي ظهرت فيها الكوليرا، كانت في عام 1833، في عهد ويليام الرابع. وكانت تلك هي المرة الأخيرة. كان مرضا جديدا، لا يعرف الأطباء ماذا يفعلون لعلاجه. لكنهم الآن يفهمونه بشكل أفضل، علاجه والسيطرة عليه، عن طريق النظافة والتخلص من القاذورات.


الفصل الخمسون

فيكتوريا، 1860-1872.


ابتهجت كل الأمة كثيرا عندما تزوج الابن الأكبر للملكة، ألبرت إدوارد، أمير ويلز، من ألكسندرا، ابنة ملك الدنمارك. أحضرها والدها ووالدتها إلى إنجلترا، وقابلها الأمير على متن سفينة في مصب نهر التايمز.

كان هناك موكب جليل وبهجة غامرة عبر لندن. عندما تزوجا في اليوم التالي، في كنيسة القديس جورج في وندسور، فرحت إنجلترا بأكملها، وكانت هناك نيران على كل تل، وإضاءات في كل مدينة، بحيث كانت الجزيرة بأكملها متوهجة بالسطوع طوال مساء الربيع هذا.

الأحباش، جنوب مصر، كانوا معزولين عن الأمم الأخرى. وكانوا متخلفين بدائيين لديهم العديد العادات الغريبة. في السنوات الأخيرة، كانت هناك بعض المحاولات لإيقاظهم وتعليمهم.

كان لديهم ملك ذكي اسمه ثيودور، بدا سعيدا ومستعدا لتحسين نفسه وأمته. سمح للمبشرين بالمجيء ومحاولة تعليم شعبه. ودعا العمال المهرة للحضور لتدريب الأحباش.

لم يمض وقت طويل بعد أن أهانت الحكومة الإنجليزية ثيودور، فقام بسجنهم جميعا. تمت المراسلات تطلب إطلاق سراحهم. لكنه لم يفهم أو يستجيب.

أخيرا تم إرسال جيش للهبوط على الساحل من الشرق، تحت قيادة الجنرال نابير، وسار إلى عاصمته، التي كانت تسمى مجدلا، ووقف على تل هناك.

لم يكن هناك قتال على الطريق، وجاء نابير إلى أبواب مجدلا، وهدد بإطلاق النار عليها إذا لم يسلم السجناء له. انتظر حتى انتهى الوقت، ثم أمر قواته بالهجوم.

هرب الأحباش بعيدا، وعلى مقربة من إحدى البوابات، تم العثور على ثيودور ميتا، بالرصاص. لا أحد يعرف تماما، هل قتله أحد عبيده غدرا، أم قتل هو نفسه في نوبة غضب ويأس.

لم تحاول إنجلترا الاحتفاظ بالحبشة. ولكن ترك الأمر لعائلة ثيودور، وتم إحضار ابن ثيودور الصغير، البالغ من العمر خمس سنوات، إلى إنجلترا للدراسة. ولكن، لأنه لم يستطع تحمل الشتاء البارد ،تم إرساله إلى مدرسة في الهند.

بعد ذلك، كان هناك قتال في جميع أنحاء أوروبا، وخاصة الحرب الكبيرة بين فرنسا وبروسيا في عام 1870. الشيء الوحيد الذي كان على الإنجليز فعله، هو إرسال الأطباء والممرضات والدواء، لرعاية جميع الجرحى الفقراء من كلا الجانبين، وتقليل معاناتهم قدر الإمكان.

كانوا جميعا يرتدون صلبان حمراء على أكمامهم، ووضعوا علم الصليب الأحمر على المنازل التي كانوا يعتنون فيها بالمرضى والجرحى، ثم لم يطلق النار عليهم أحد من الجانبين.

أعطى قانون برلماني الحق في التصويت، في انتخاب مجلس العموم، للفقراء، على أمل أن يحسنوا اختيار أولئك الذين يصنعون القوانين ويحكمون البلاد.

لمنح الناخب فرصة أفضل للقيام بذلك، سن قانون يقضي بعدم السماح لأي طفل بالتخلف عن التعليم على الإطلاق. وبالنسبة لأولئك الذين هم أفقر من أن يدفعوا تكاليف تعليمهم، أصبحت تكفلهم الدولة، وأجبرت آباءهم على إرسالهم للمدارس.

الشيء العظيم هو أن تتعلم وتعرف وتفعل واجبك. التعلم وحده بدون الأخلاق والالتزام بالواجب الانساني غير كاف وقد يكون مضرا. وكما قال شوقي بك: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همِ ذهبت أخلاقهم ذهبوا"

وهنا ينتهي كتاب تاريخ إنجلترا حتى حكم الملكة فيكتوريا في نهاية القرن التاسع عشر. أرجوا أن تستمتعوا به قدر استمتاعي بكتابته لكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كوريا الجنوبية تدرس تسليح أوكرانيا، فهل تشهد أوروبا حربا عال


.. ماكرون يحث الأوروبيين على -ألا يفوضوا للأبد- أمنهم للأمريكيي




.. الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة : دور المتاحف في تحفيز المعرفة


.. غزة: غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات تسفر عن قتلى وجرحى بين




.. ما مدى التصعيد الأخير بين لبنان وإسرائيل؟