الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اشكاليات مفهوم الامة العراقية / 9
رياض سعد
2024 / 5 / 14دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يطعن بعض الكتاب بمشروع احياء الامة العراقية الوطني ؛ بحجة عدم وجود علاقة بين المواطنين الحاليين والسكان الغابرين ؛ والادعاء بان ربط المواطنين الحاليين الذين يسكنون هذه البقعة الجغرافية او تلك ؛ بتاريخ الشعوب والاقوام التي قطنت في تلك البقعة الجغرافية في سالف الازمان ؛ من الشعبوية البعيدة كل البعد عن المناهج العلمية .
الاشكال المزبور فيه شيء من الصحة والصواب ؛ ولكن فيه تفصيل وكلام ايضا ؛ نعم قد لا توجد وشيجة تاريخية او ثقافية او عرقية او دينية ... الخ ؛ تربط المهاجرين الاوربيين بسكان قارة الأمريكيتين من الهنود الحمر ؛ وعليه لا يصح ادعاء المهاجر الالماني او الانكليزي او غيرهما من القاطنين في القارتين حديثا ؛ بأنه يمثل الهوية الوطنية القديمة والتاريخية الثقافية للقارتين او انه ينتمي عرقيا للهنود الحمر ؛ ولو ادعى ذلك لأصبح اضحوكة للآخرين ومادة للتندر والاستهزاء ؛ كما هو حال الكرد الان ؛ الذين يتشبثون بكل من هب ودب , ويجيرون كل نظرية او اكتشاف هنا او هناك لصالحهم ؛ لأثبات هويتهم الحقيقية ؛ فتارة ينسبون انفسهم ( للنياندرتال ) وتارة للسومريين , وثالثة للأكديين , ورابعة للآشوريين , و خامسة للفرس الايرانيين ... الخ ؛ وهكذا هم يخبطون خبط عشواء ؛ كل وقت هم في شأن جديد وادعاء مختلف ... .
ومع ذلك يعمل الان بعض الكتاب والمثقفين في القارتين الأمريكيتين من ذوي الاصول الاوربية والجذور الاجنبية والغريبة كالافارقة والاسيويين ؛ على احياء معالم الثقافات الامريكية القديمة والخاصة بسكان القارتين من الهنود الحمر , والاعتزاز بها والترويج لها في وسائل الاعلام , وانصاف الهنود الحمر والاعتذار لهم ؛ والتكفير عن جرائم البيض المجرمين بحق اسلافهم المواطنين المسالمين ؛ والانصهار جميعا في بوتقة الهوية الوطنية الجديدة ؛ والتي تأخذ شيئا من المهاجرين الجدد , وشيئا من السكان الاصليين ؛ لتنبثق من خلال ذلك هوية وطنية جامعة ومشتركة ؛ وتعبر عن كلا الجماعتين او الفئتين او الشريحتين ؛ مع الاعتراف بان الهنود الحمر هم سكان القارتين القدامى والاصلاء ؛ ومن يدري لعل الامور في قادم الايام ترجع الى عهدها السابق ؛ ويعود حكم القارتين الى الهنود الحمر مرة اخرى .
الا ان الكلام – انف الذكر – لا ينطبق على بلاد الرافدين والعراقيين ؛ فالأقوام والشعوب التي سكنت بلاد الرافدين سابقا وحاليا ؛ تنتمي لأرض العراق بجغرافيتها القديمة والكبيرة ؛ او تنتمي لمنطقة الشرق الاوسط - الهلال الخصيب - نفسها والتي تنبع منها الاقوام والشعوب والجماعات ذات المشتركات الجينية او الثقافية او التاريخية ؛ فلا وجه للمقارنة بتاتا بين الاقوام الاوربية والاجنبية التي هاجرت الى القارتين الأمريكيتين وانعدام الوشائج والروابط بينهم وبين الهنود الحمر ؛ وبين الحالة الرافدينية المميزة ؛ نعم هنالك استثناءات تاريخية حدثت في بلاد الرافدين القديمة الا انها لم تؤثر على الهوية الوطنية والصبغة العراقية القديمة تأثيرا بالغا و واضحا وظاهرا للعيان ومستمرا الى هذه اللحظة .
فالروابط التي جمعت الاقوام الرافدينية القديمة كثيرة جدا ؛ والوشائج الثقافية التي وحدت بين الاقوام والشعوب والجماعات العراقية ؛ اكثر من ان تحصى ؛ وطالما تبادلت تلك الاقوام الادوار الحضارية فيما بينها , وتقاسمت تلك الجماعات والشعوب الارث الرافديني العظيم وحملت مشعل الحضارات الرافدينية الى البشرية جمعاء , وتطورت مسيرتها الحضارية والثقافية والاجتماعية شيء فشيء ؛ حتى اسفرت عن الكتابة المسمارية واللغة السومرية ثم الاكدية ثم الارامية ثم العبرية واليهودية ثم السريانية والمسيحية ثم العربية والاسلام ؛ مع الاخذ بعين الاعتبار تأثير الغزوات والاحتلالات الايرانية واليونانية والرومانية والمغولية والعثمانية وتداعياتها ... الخ .
الا ان الامر الملفت للنظر ؛ ان البوتقة العراقية كالإيرانية تنصهر فيها كل المؤثرات والعوامل والفواعل الاجنبية والغريبة وتذوب فيها ولا يبقى منها الا الشيء النزر ؛ فعلى الرغم من تأثير الثقافات الايرانية والعثمانية في بلاد الرافدين الا انها تنحصر شيئا فشيء وتتقهقر حتى تكاد تختفي من المجتمع العراقي تدريجيا ؛ بسبب هيمنة الثقافة الوطنية وشيوع العادات والتقاليد العراقية الاصيلة والتي تتصارع مع الثقافات الوافدة و التي طالما تخرجها من العراق او تحصرها في زاوية ضيقة بحيث لا يؤمن بها او يطبقها على ارض الواقع سوى الاجانب والدخلاء والغرباء فقط ؛ واحيانا المتأثرين بهم من العراقيين الاصلاء .
نعم لا ضير في اندماج الاقوام والجماعات والعوائل ذات الجذور الاجنبية والاصول الغريبة ؛ في الامة العراقية ؛ ولكن بشرط الايمان بالهوية العراقية التاريخية والاعتراف بحقوق وامتيازات الاغلبية الاصيلة وسائر مكونات الامة الاصيلة ؛ والتي تعكس ثقافة وهوية البلاد ؛ اما اذا اصرت تلك الجماعات والعوائل على فرض ثقافتها الاجنبية على العراقيين الاصلاء قسرا , وتسويقها فيما بعد على انها الثقافة الوطنية والهوية الرافدينية العريقة , ومعاداة الاغلبية ومقاطعة الثقافة والسردية التاريخية الوطنية ؛ فلا خيار امام ساسة الامة العراقية وقتذاك ؛ سوى اسقاط الجنسية العراقية عنهم ؛ وارجاعهم الى اوطانهم الحقيقية واقوامهم الاصلية ؛ مع مراعاة الجوانب الانسانية والقانونية ؛ او صهرهم في مشروع الامة العراقية والهوية الوطنية من خلال تغيير قناعاتهم العنصرية والقومية والدينية والطائفية والسياسية والثقافية ؛ وادخالهم في دورات ثقافية , وفرض القوانين التي تحافظ على الهوية الوطنية عليهم ؛ فليس من المعقول والمنطقي ان تتخلى انكلترة عن التحدث والكتابة باللغة الانكليزية ؛ لأجل عيون مجموعة من الافراد القاطنين في بريطانيا والتحدث ب لغتهم فقط ؛ وبناء على ما تقدم لا يصح تحدث كرد العراق باللغة الكردية فقط ؛ واهمالهم المقصود للغة العراق الرسمية والتي تمثل لغة الاغلبية الساحقة و اللغة التاريخية والهوياتية الوطنية ؛ وان جاز هذا الامر , وتحول الى ظاهرة عامة ؛ عندها سنرى مواطنين يتحدثون بالتركية وغيرها فقط ؛ ولا يعيرون أية أهمية للغة العربية والتي تعتبر اللغة الرسمية والثقافية للبلد ؛ مما قد يهدد كيان الامة العراقية والعراق بالزوال والتشرذم والتقسيم والاضمحلال لصالح الدول ؛ وهذا الامر لا يجوز وفقا لكل الاعراف والرؤى السياسية والدولية ؛ فلو سمحنا للجميع بما فيهم المهاجرين حديثا الى البلاد , وذوي الاصول الاجنبية والغريبة ؛ بالانسلاخ عن العراق جغرافيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا ؛ بحجة الديمقراطية وحرية تقرير المصير ؛ لما بقى بلد في العالم على حاله ؛ و لتحولت القرى الى كيانات سياسية ؛ والمدن الى أقاليم فيدرالية , والمحافظات الى ممالك وجمهوريات ...؟!
وفي ظل سيادة العولمة والتبعية الثقافية ؛ فضلا عن الدعوات الانفصالية والتكفيرية الغريبة عن عادات وتقاليد وثقافات بلاد الرافدين وتطلعات ورؤى وطموحات ابناء الامة والاغلبية العراقية الاصيلة ؛ لابد لنا من العمل الجاد والسعي الدؤوب ؛ لإنجاح مشروع احياء الامة العراقية , لان اهمال هذا الملف الوطني الخطير وفي ظل هذه التحديات الثقافية والهيمنة الاعلامية الخارجية ؛ يؤثر سلبًا على الهوية الذاتية والخصوصية المحلية ويؤدى إلى تغريبها وإضعافها... ؛ وعليه يجب العمل على ترسيخ الهوية الثقافية الوطنية المغيبة , وتقوية دعائمها ؛ بما يعزز من سبل الانتماء الوطني لمواجهة التحديات العالمية , وتدعيم وتأصيل جذور هوية العراقيين الثقافية والوطنية ؛ من خلال ربطهم بالتراث الحضاري والموروث الثقافي والشعبي ... ؛ وهذا لا يعني التقاطع مع منتجات الحضارة الغربية او عدم الاطلاع على الثقافات الدولية والتنصل من الشراكات المجتمعية والثقافية مع الاخرين ؛ بقدر ما يعني الاعتزاز بالهوية الوطنية والثقافة المحلية والتي تميزنا عن الاخرين ؛ مع مراعاة التواصل مع مختلف الشعوب والامم والاستفادة من تجاربها الحضارية والثقافية ؛ لرفد الداخل العراقي بكل ما هو مفيد ونافع وجميل ... الخ .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. 600 مليار دولار لترامب ليزور السعودية الأخبار
.. كولومبيا تعلن حالة الطوارئ بعد سقوط أكثر من 100 قتيل في أعما
.. هل أنشأت وكالة الاستخبارات الأمريكية توأما رقميا للزعيم الكو
.. العراق.. غضب بعد إقرار قانون الأحوال الشخصية • فرانس 24 / FR
.. وزير الخارجية الأردني لسكاي نيوز عربية: لن يكون الأردن وطنا