الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المانوية والديانات الشمولية

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 8 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المانوية، ديانة قديمة اتخذت اسمها من مؤسسها ماني، المولود لأسرة إيرانية قرب مدينة طيسفون بمنطقة بابل، في بلاد الرافدين، عام 216 بعد الميلاد. روى ماني في كتبه أن وحيًا بدأ يهبط عليه من السماء، وينقل اليه تعاليم دينه وهو في الثانية عشرة من عمره. ولم يلبث الوحي أن عاوده وهو في الرابعة والعشرين، ثم أمره بنشر دعوته.
كان مشروع ماني الديني يقوم على صياغة ديانة شمولية، تحتوي ما سبقها من أفكار دينية، وتجاوزها إلى عقيدة موحدة.
جاءت ديانة ماني توفيقية من الطراز الأول، لأكثر من سبب وقصد. فقد تأثر ماني بالثنوية الإيرانية، وأخذ أفكارًا مهمة من المسيحية والمثروية والهندوسية وحضارة بلاد الرافدين، بالإضافة إلى خلفيته الغنوصية بانتمائه في صغره إلى طائفة المغتسلة. وقد استمدت هذه الطائفة اسمها هذا من طقوس الاغتسال بالماء، التي كانت تمارسها.
للتوضيح، الثنوية الإيرانية تنتمي إلى الزرادشتية، نسبة إلى زرادشت، الذي ادعى تلقيه الوحي عن الإله الخالق "أهورمزدا". وتنهض الثنوية في تفكير زرادشت على صفة الخير المطلق في الخالق، ويعني أن الله هو الخير. وعليه، لا بد من تفسير لوجود الشر في العالم. ويقدم زرادشت تفسيرًا لثنائية الخير والشر، بنشوء روحين متعارضتين. الأولى، الإله الأزلي الحق، خالق السماء والأرض، هو الخير منذ البداية "سنبيتا مايانو". في المقابل، هناك روح شريرة اختارت أن تكون هكذا منذ البداية أيضًا، وهي "أنجرا مايانو". لكن المانوية ترفض أن تكون هاتان القوتان متكافئتين، انطلاقًا من رفضها وضع ممثل الشرعلى قدم المساواة مع الله.
أما المثروية، فديانة باطنية ارتكزت على الإله الهند- ايراني "ميثرا". وقد ظهرت في أواخر القرن الأول الميلادي، وانتشرت في شبه الجزيرة الإيطالية والمناطق المحاددة لها، ولم تلبث أن تمددت في الإمبراطوية الرومانية كلها.
ومن تعاليم ماني، قوله بوجود مبدأين رئيسين، الأول، هو الله، والثاني، المادة. من الله يأتي كل خير، ومن المادة يأتي العكس، أي الشر. المادة برأيه، أنجبت الشيطان أهريمان، وهو ليس إلهًا رغم سلطته على النصف المظلم من الكون، كما أنه خاسر حربه مع الله لا محالة. دور الإنسان في العالم، حسب المانوية، تخليص نفسه والإلتحاق بالعالم النوراني، حيث يسبب له وجوده في العالم المادي الألم. والالتحاق بالعالم النوراني، لا يكون إلا بالمعرفة التي تكشف للإنسان حقيقته وحقيقة العالم المادي وتخلصه مما يكابد ويعاني فيه.
ولنا أن نلحظ أن المانوية، بناءً على ما ذكرنا، تحمل سمات الديانة الشمولية. فهي أولًا، تنهض على التجربة الدينية لشخص بعينه، هو مؤسسها ماني، الذي يصنف بمعايير عصره بأنه أطلق حركة ثورية شاملة قلبت المفاهيم الدينية السابقة. الأهم، أن ماني اعتقد بامتلاك الحقيقة المطلقة النهائية بين العبادات الداني منها والنائي، وادعى أن ديانته خاتمة الديانات. من هذا المنطلق، رفضت المانوية في حياة مؤسسها وبعده التعايش مع بقية العبادات، لأن من يمتلك الحقيقة بنظر أتباعها لا يُساوم عليها. وقد يتخذ هذا الرفض شكل الحرب، إذا أفلحت الديانة بامتلاك القوة البشرية والمادية. أخيرًا، اعتمدت المانوية في زمنها التبشير، وهو بالمناسبة ظاهرة لم تعرفها البشرية قبل ظهور الأديان الشمولية.
السلام عليكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مدينة صفد ال


.. تغطية خاصة | عمليات المقاومة الإسلامية ضد الاحتلال مستمرة |




.. 80-Al-Aanaam


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam