الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قبل 80 عاما قتل أرنست تلمان بأوامر مباشرة من هتلر/ بقلم: رولاند فريدمان*
رشيد غويلب
2024 / 10 / 4الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ترجمة
في 14 آب 1944، بعد أسابيع قليلة من محاولة اغتيال هتلر الفاشلة، ذهب هاينريش هملر، قائد قوات الـ "اس اس" النازية ووزير الداخلية، إلى "عرين الذئب" لإجراء محادثة غير عادية مع "قائده": كان هتلر الشخص الوحيد الذي يقرر مصير المعارضين والمنتقدين البارزين للنظام مثل مصير السفير الألماني السابق لدى الاتحاد السوفيتي، فيرنر غراف فون ديرشولنبرغ، أو المارشالين غونتر فون كلوغ وإرفين روميل. وتضمنت القائمة التي حملها هملر معه أيضًا اسم ارنست تلمان، الذي كان زعيما للحزب الشيوعي في المانيا منذ عام 1925 حتى اعتقاله في اذار 1933.
في البداية، خططت حكومة هتلر لمحاكمة تلمان في محاكمة كبرى، وإصدار حكم ضده وكذلك ضد الحركة الشيوعية بأكملها. بعد أشهر من العمل، تم وضع لائحة اتهام تثبت استمرار تهمة "الخيانة العظمى" ضد تلمان. وكان المقصود من المحاكمة أمام محكمة الشعب سيئة السمعة "الكشف عن أسرار ذات أهمية غير عادية حول الخطر الشيوعي الذي كان يهدد ألمانيا والعالم"، على حد تعبير مسؤول رفيع المستوى في وزارة داخلية الرايخ النازي في شباط 1935.
لم تكن السلطات النازية متحمسة لأجراء هذه المحاكمة. وكانت ذكرى الهزيمة المحرجة في محاكمة حريق الرايخستاغ في خريف عام 1933طرية، والتي انتهت بانتصار جورجي ديميتروف، "أسد لايبزيغ"، وتبرئة المتهمين الشيوعيين الأربعة. وكانت لدى المدعي العام شكوك كبيرة في أن الأدلة ضد تلمان ستكون كافية لإصدار حكم الإعدام المطلوب أو على الأقل السجن مدى الحياة.
بعد تأجيل موعد المحاكمة عدة مرات، تم اتخاذ القرار في تشرين الثاني 1935 بالتخلي عن محاكمة تلمان. وكان أحد كبار موظفي الغستابو قد أعلن في وقت سابق، أن هناك "طرقًا أخرى وأقل ضررًا لإبقاء تلمان في قبضة القوى الأمنية".
بالنسبة لتلمان، كان إلغاء المحاكمة خيبة أمل كبيرة، لأنه كان مقتنعاً بأنه، مثل سابقه ديميتروف، سينجح في الحصول على البراءة. في بداية عام 1944 احتفل بنفسه في نص سيرته الذاتية المكتوب سرا: " حتى ألد أعدائي كانوا سيتفاجؤون من أن عامل النقل السابق من هامبورغ، الذي لم يلتحق بأي مدرسة عليا أو جامعة، ولكنه كان يتمتع بخبرات شعبية وتجارب حياتية أخرى ومعرفة عملية بالحياة، قد ينجح في إدانة وفضح الكوميديا القانونية والقضائية برمتها".
كان تلمان يأمل بعملية تبادل بمساعدة الحكومة السوفيتية، كما أخبر رفاقه مرارًا. لقد كان قلقًا "من أن الحزب يفضل وجوده في الداخل بدلاً من الخارج، وإلا فإن عامل التحريض سينتهي"، كما ذكرت، في بداية عام 1938، روزا تلمان إحدى مراسلي قيادة الحزب الشيوعي في المانيا الموجودة في الخارج. في الأيام والأسابيع التي تلت التوقيع على معاهدة عدم الاعتداء الألمانية السوفييتية (ما يسمى باتفاق هتلر- ستالين) في أواخر صيف عام 1939، كان تلمان على يقين: "آمل أن تأتي ساعة تحريري قريبًا. أنا على قناعة راسخة بأن قضية تلمان قد أثيرت خلال المفاوضات في موسكو".
لم يكن ستالين مهتما بمصير تلمان. ولم يرغب بأن يتم تذكيره أن سياسات الحزب الشيوعي في المانيا، التي فرضتها موسكو قبل عام 1933، قد فشلت بالكامل، ولم يرغب في السماح بتسليط الضوء على قيادي شيوعي آخر الى جانب ديمتروف، لان ذلك مخصصا له فقط. الأهم من ذلك، لم يكن ستالين مستعداً لوضع عمل المعاهدة غير الطبيعية مع ألمانيا هتلر تحت اختبار غير ضروري بسبب حدث "تافه" مثل مصير تلمان.
في بداية الحرب الألمانية ضد الاتحاد السوفيتي، كان على تلمان أن يدرك أنه لم تعد هناك أي فرصة واقعية لإطلاق سراحه. إن ما يدل على عظمته الإنسانية هو أنه حتى في هذا الوضع اليائس لم يكن مستعداً لتقديم الاعتراف الذي طالب به معذبوه باستمرار، أي الاعتراف بفشله كشيوعي، ثمنا لحريته.
كان تلمان يعلم أنه لن يعيش نهاية الحرب. في كانون الثاني 1944، أشار إلى ما يلي: "هناك أيضًا احتمال، قاسٍ وصعب، ومن الصعب أن نقوله هنا، أنه إذا تقدمت الجيوش السوفيتية بشكل خطير بالنسبة لألمانيا، وارتباط بالتدهور العسكري العام لألمانيا، فان النظام النازي سيبذل كل ما في وسعه للتخلص من شخص تلمان. إن نظام هتلر (...) لن يخجل من إزاحة تلمان عن الطريق مبكرًا أو القضاء عليه إلى الأبد".
لقد تحقق هاجس تلمان وكان له عواقب وخيمة. في المحادثة بين هتلر وهملر في 14 آب 1944، تم اتخاذ القرار النهائي: "التنفيذ". وهذا يعني أن حكم الإعدام قد صدر بحق أرنست تلمان دون محاكمة، وبالمعنى الحرفي للكلمة، بجرّة قلم.
كانت الأفكار الأولى حول قتل تلمان قد بدأت قبل 20 تموز 1944 (الانقلاب الفاشل ضد هتلر - المترجم). في ربيع عام 1944، تحدث المكتب الرئيسي لأمن الرايخ لأول مرة عن قتل تلمان سرًا. وفي ضوء الهزيمة العسكرية الوشيكة، كان جزءًا من استراتيجية نظام هتلر "التخلص" من جميع المعارضين الذين كان بإمكانهم لعب دور رئيسي يعد الحرب، في ألمانيا الخالية من هتلر والنازية. ووضعت خطة نقل تلمان إلى معسكر اعتقال بوخنفالد في وقت معين وقتله هناك. وفي 17 أغسطس 1944، حان وقت "اضرب الطبل! أسقطوا الحراب! / إلى الأمام، مسيرة! النصر هو مكافأتنا! / اكسر السلسلة بعلم الحرية! / هيا نقاتل، كتيبة تالمان. / الوطن بعيد، لكننا جاهزون. / نقاتل وننتصر من أجلك: الحرية! تنفيذ هذه الخطة."
جرائم بلا عقاب
في الساعات المتأخرة من بعد الظهر، تم نقل تلمان في سيارة من باوتسن، مكان احتجازه الأخير، إلى معسكر اعتقال بوخنفالد، برفقة العديد من ضباط الغستابو. وأعلن عن وصول السجين الاستثنائي. كأجراء احترازي، تم حجز السجناء الذين كان يعملون في المحرقة في أماكن إقامتهم. وتولى رجال قوات الـ "اس اس" عملهم في ذلك المساء. بعد منتصف الليل بقليل، وصلت السيارة التي تقل تلمان إلى محرقة الجثث عبر بوابة خاصة. بينما كان تلمان محاط بصفين من رجال قوات "اىس اس" النازية، تم إطلاق ثلاث رصاصات، أعقبها بعد دقائق رصاصة رابعة. لقد قتل تلمان كما أمر هتلر.
وعلى الرغم من أن النازية الألمانية مسؤولة عن ملايين الضحايا، إلا أن هتلر وزبانيته لم يكونوا مستعدين لتحمل المسؤولية أمام الرأي العام العالمي، عن مقتل تلمان رسميا. لذلك، نشرت وزارة دعاية الرايخ خبرًا في منتصف أيلول 1944 يفيد بمقتل تلمان في غارة جوية لقوات الحلفاء على معسكر اعتقال بوخنفالد في 28 آب 1944.
بعد انتهاء الحرب فورا، أصبحت تفاصيل الجريمة والمتورطين فيها معروفة عبر ما ادلى بها السجين البولندي السابق ماريان زغودا، الذي راقب الأحداث سرًا ليلة 17 - 18 آب 1944. لكن على مدار عقود من الزمن، لم يكن القضاء في جمهورية المانيا الغربية، على الرغم من المساعدة الإدارية الواسعة التي قدمتها من جمهورية ألمانيا الديمقراطية، راغبًا أو قادرًا على محاسبة الجناة بشكل كافٍ. لقد ظلت جريمة مقتل ارنست تلمان دون عقاب.
ناقوس الخطر
العديد من أغاني الحركة الشيوعية تغنت بأرنست تلمان. ولعل أشهرها هو ما كتبه كيرت بارتيل (كوبا)، والذي أعرب فيها عن أمله في التغلب بسرعة على انقسام في المانيا، ويفترض ان تكون لازمة الأغنية معروفة لدى أي مواطن نشأ في جمهورية المانيا الديمقراطية السابقة: " تلمان، تلمان أولا! / ابن ألمانيا الخالد. / لم يسقط تلمان أبدًا / إنه صوت الأمة وقبضتها، / تلمان لم يسقط أبدًا، / إنه صوت الأمة وقبضتها". النص الأقدم كتبه إريش فاينرت في عام 1934، وكان مستوحى من الأمل في تحرير تلمان من السجن النازي: "ناقوس الخطر يقرع: محكمة القتل/ تريد رأسه. / لكن عندما تنطلق عاصفة العالم / فلن يجرؤوا على ذلك. / مزق رأس الفأس التي تهوي! / للرفيق تلمان: ترفع قبضات الأيدي!"
ذهب الشيوعيون الألمان إلى الحرب الإسبانية للدفاع عن جمهورية الجبهة الشعبية ضد فاشية فرانكو، واسمه على شفاههم. كان لكتيبة تلمان (لاحقا لواء تلمان) أغنيتها الخاصة، التي رددها بول ديساو (1894 – 1979 موسيقار الماني شهير- المترجم)، والمعروفة عالميًا بتفسير ارنست بوش: "اقرعوا الطبل! أسقطوا الحراب! / سيروا إلى الأمام،! النصر مكافأتنا! / اكسروا السلاسل بعلم الحرية! / انهضي يا كتيبة تلمان للقتال. / الوطن بعيد، لكننا جاهزون / نقاتل وننتصر من أجلك ايتها الحرية".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقالة بقلم الدكتور رولاند فريدمان عضو مجلس متحدثي اللجنة التاريخية لحزب اليسار الألماني. نشرت في جريدة "نيوز دويجلاند" في 16 آب 2024. سيصدر للكاتب سيرة ذاتية مفصلة لأرنست تلمان قريبا.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في ليما على هامش قمة -أبيك-…
.. مداخلة النائب أحمد العبادي في مناقشة الجزء الاول لمشروع القا
.. جدل حول مباراة فرنسا - إسرائيل: لماذا قرر ماكرون حضور المبار
.. الحركة التقدمية الكويتية: كشف حساب الحكومة بعد ستة أشهر على
.. شاهد | الشرطة الهولندية توقف متظاهرين مؤيدين لفلسطين