الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسلامولوجيات- 4

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2024 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دعا البعض إلى استعادة -الدين النقي- الذي أسسه النبي في المدينة المنورة. أي إسلام الأوائل (السلف الصالح)، أي أصحاب النبي والأجيال الأولى من المسلمين، الذين يمثلون نماذج يحتذى بها: إنها مسألة إعادة اكتشاف قوة الإسلام في بداياته ، من أجل توحيد المجتمع – اليوم- حول قيمه الأساسية.في نظر البعض إنها يوتوبيا معاكسة: يجب علينا استعادة الدين النقي الذي اعتمده الاولون. هذه الفكرة مما يرتكز عليه الكثير من المجددين.

ويستند مفهوم التجديد على الحديث التالي:
يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها )
ويعثبر من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي روها أبو هريرة عن النبي محمد
والمقصود - ضمن منطق جملة من دعاة التجديد- بهذا التجديد طريقة جديدة للتعبير عن المبادئ الأساسية للإسلام، لضمان توافق الممارسات والمعتقدات مع القرآن والسنة. وبطبيعة الحال، تظل هذه العقيدة غير ملموسة ــ ولكن ربما لا يكمن جوهر المشكلة في هذا. وربما، السؤال المركزي لا يتعلق بمحتوى النصوص التأسيسية (وهو ما هو عليه) بقدر ما يتعلق بطبيعة العلاقة بالنصوص التأسيسية.

إن المشكلة لا تكمن في أن القرآن والأحاديث يحتويات على آيات وقصص عنيفة وصادمة (إلى جانب آيات وقصص أكثر سلمية وتسامحا). المشكلة هي: هل طبيعة العلاقة بالنصوص التأسيسية موضع تساؤل؟ وما هي المساحة المقبولة، والمطالب بها، في منهج وطريقة قراءة وفهم هذه النصوص؟

وهنا قد يتجلى دور "الشريعة الإسلامية" - التييعتقد معظم الناس أنها حصيلة من القواعد القانونية، والامرعند المتفحص قد لا يبدو كذلك بهذه السهولة. فالشريعة- حسب العقلية الاسلامية هي الطريق- أو النهج- الذي أنزله الله، فهو طريق ونهج يحتاج لتوضيح محتواه الدقيق أو شرحه. وهومن المفترض أن يحكم حياة المسلم بأكملها، شؤونه الدينية والأخلاقية، لأنه يتعلق بعلاقات الإنسان مع الله وعلاقات الناس مع بعضهم البعض. فهو يشمل بالتالي كافة الأعراف الدينية والأخلاقية والاجتماعية التي تحكم حياة المسلم.

ويمكن القول أن هذا يتعلق بتحديد هذه القواعدالرامية إلى توضيح ما هو حكم الفعل- واجب، مندوب، حلال، حرام، مذموم أو محظور، بناء و ارتكازا على المصادر الأصلية (القرآن، السنة، الإجماع) ، سواء من أصحاب النبي، أو من علماء العصر) وأيضا هناك ما يمكن نعته بمرتكزات ثانوية- بالنظر للسابقة وهي الاساسية والمركزية (البحث عن المصلحة العامة، مع مراعاة السياق والعادات والممارسات المعمول بها، وما إلى ذلك) من القانون-وهذا أمرمن عمل المجتهد، الشخص الذي يمارس الاجتهاد (بدل الجهد لفهم مصادر القانون وأسسه من أجل استخلاص القواعد القابلة للتطبيق، في سياق محدد وربما في زمن محدد).

ووفقاً للمذهب السني التقليدي، لا يملك الإنسان سلطة التشريع. وتكمن وتنحصر قوة العقل في قدرته على استخلاص القواعد من الوحي، وليس وضع معايير بشرية وإن كانت صالحة للمجتمع – لان هذا الأمر قد يصل إلى حد إبعاد الله عن المجال الذي ينتمي إليه: فليس للإنسان أن يخلق معايير حيث تلك الخاصة به. الله هو من يشرع. ولا يمكن للسلطة الزمنية أن تطرح نفسها كدولة تشريعية، مصدر للقانون (نظام القواعد). والحقوق (الامتيازات المكفولة للأفراد).
وبالتالي ومن حيث المبدأ، فإن الشريعة غير قابلة للتغيير إذ لا يغير المرء إرادة الله.
وهذا هو مذهب الأغلبية السنية والأشعرية. أما موقف المعتزلة، الذي يمكن أن يقترب من فكرة الحق الطبيعي، فقد ظل أقلية وحاربه حراس الهيكل بشدة وكرسه فقهاء السلاطين منذ قرون إلى اليوم.
وكان دور العديد من الأحاديث: إضفاء الشرعية على ممارسة ما من خلال نسبتها بعد النبي وذلك منذ الإقرار الرسمي بتدوين الاحاديث .

وفيما يتعلق بالأسباب الأكثر قبولا، هناك على وجه الخصوص فكرة أن المصلحة العامة يجب أن توجه الفقيه في البحث عن الحل الأفضل، مما يجعل من الممكن أحيانا تخفيف القاعدة الواردة في النصوص التأسيسية. وهذا من شأنه توفير مجال حقيقي للمناورة لتكييف القانون مع التغيرات الاجتماعية، وهو ما ندا به جملة من الإصلاحيين المعاصرين بوضوح أو بالإشارة من تحت الطاولة أحيانا. ولذلك ليس من المستغرب أن تكون المصلحة اليوم في قلب المناقشات حول المنهجية القانونية.
يميز المحامون في الواقع بتم التمييز بين عدة أنواع من المصالح. لكن هناك فئة واحدة مثيرة للاهتمام بشكل خاص: وهي فئة "المصالح العامة المرسلة" بالتعبير الفقهي الاسلامي ، أي المصالح التي لا يمكن استنتاجها لا من القرآن ولا من السنة، ولا من الإجماع، ولا حتى من الاستدلال- وغالبا ما يتم اعتماد التشبيه في الشكل المناسب. ومن ثم يمكن تعزيز بعض القيم "الحديثة"، التي ليس لها نظير واضح في النصوص التأسيسية أو التقليد الفقهي الكلاسيكي. لكن المناشدة بالمصلحة العامة لها حدود.
ويُعد الفقيه الحنبلي الطوفي (1259 -1316م _ 657 هـ - 716 هـ) ، الذي يرى أن المصلحة لا تخضع للنصوص الكتابية، استثناءً. من حيث المبدأ، لا تستطيع المصلحة أن تحرر نفسها من النصوص التأسيسية؛ علاوة على ذلك، فإن المصلحة العامة هي بالتأكيد المصلحة العامة للمجتمع المسلم هنا في الأرض و الآن وليس في الآخرة. بمعنى آخر، باستثناء عندما تكون أداة بلاغية بسيطة، فإن الدعوة إلى المصلحة لا تدعو إلى التشكيك في معيارية النصوص المقدسة: فهي تعلقها أو تحيدها (ولكن إلى متى؟)1.

------------
1 – تزعم الطوفي الفقيه الحنبلي، الأصولي، في عصره نقد النزعة العقلانية النزعة
توسع في شرح حديث: ( لا ضرر ولا ضرار )
حيث تحدث عن المصلحة فعرفها بقوله: (هي السبب المؤدي إلى مقصد الشارع؛ عبادة أو عادة .
وقسم الطوفي المصلحة إلى قسمين: ما يقصده الشارع لحقه؛ كالعبادات. وما لا يقصده الشارع لحقه؛ كالعادات. واستدل على رعاية الشارع للمصالح بعدة أدلة إجمالا وتفصيلا. وأما الشيء الذي انفرد به الطوفي وخالف به الجمهور، قوله : بأن المصلحة إذا عارضت النص في باب العادات، فإنه يؤخذ بها، ويترك النص في مقابلتها و عرف الطوفي بهذا الرأي واشتهر به .
ويمكن إبراز أهم معالم منهج الطوفي في تقديم المصلحة -وهي مقصد الشارع- على النص، فيما يلي:

الأساس الأول: مقصد الشارع في المصلحة المعقولة عادة، ولو خالفت النص
يرى الطوفي أن مقصد الشارع في ظواهر النصوص ومعانيها عند الاتفاق، وفي معاني النصوص وحدها عند التعارض، فإذا اتفق المعنى المعقول مع الظاهر -أي المصلحة مع النص- أخذ بهما معا، وإن خالف المعنى المعقول الظاهر أخذ بالمعنى وترك الظاهر.
وقد عبر الطوفي عن رأيه هـذا بقوله: ( فالمصلحة وباقي أدلة الشرع إما أن يتفقا أو يختلفا؛ فإن اتفقا فبها ونعمت، كما اتفق النص والإجماع والمصلحة على إثبات الأحكام الخمسة الكلية الضرورية؛ وهي: قتل القاتل، والمرتد، وقطع يد السارق، وحد القاذف والشارب، ونحو ذلك من الأحكام التي وافقت فيها أدلة الشرع المصلحة. وإن اختلفا؛ فإن أمكن الجمع بينهما بوجه ما جمع؛ مثل: أن تحمل بعض الأدلة على بعض الأحكام والأحوال دون بعض، على وجه لا يخل بالمصلحة، ولا يفضي إلى التلاعب بالأدلة أو بعضها، وإن تعذر الجمع بينهما قدمت المصلحة على غيرها
من خلال هـذا النص يرى الطوفي أن حالات اقتران المصلحة بالنص ثلاث؛ هـي:
- اتفاق المصلحة مع النص، وهنا يجب الأخذ بهما معا.
- اختلاف المصلحة مع النص؛ بأن يقع تعارض بينهما مع تعذر الجمع والتوفيق عن طريق التخصيص والتقييد، وهنا يؤخذ بكل من النص والمصلحة، في حدود دلالة كل منهما، دون تعطيل لأحدهما.
- اختلاف المصلحة مع النص، بأن يقع تعارض بينهما مع تعذر الجمع والتوفيق، وهنا تقدم المصلحة على النص؛ أي يؤخذ بالمصلحة ويترك النص.

الأساس الثاني: استقلا العقل بإدراك المصالح في مجال العادات يستند الطوفي في دعوى تقديم المصلحة على النص عند التعارض على العقل؛ حيث يرى أن العقل قادر على إدراك وتمييز مصلحة الإنسان دون حاجة إلى الشرع، وفي ذلك يقول: (ثم إن الله جعل لنا طريقا إلى معرفة مصالحنا عادة، فلا نتركه لأمر مبهم يحتمل أن يكون طريقا إلى المصلحة أو لا يكون) .

فهو يرى أن المصلحة تدرك بالعادة المعقولة لدى الناس، فلا يترك هـذا الطريق الواضح لغيره من الطرق المبهمة غير الواضحة كالنصوص الشرعية؛ لكونها تحتمل معاني كثيرة لا تقطع بمعرفة المصالح من غيرها.
ثم حدد مجال إدراك المصالح بأن العادات دون العبادات ؛ لأن العادات معقولة المعنى بخلاف العبادات؛ ولأن النصوص جاءت وافية بمصالح العبادات بخلاف العادات، (ولا يقال: إن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته... لأن هـذا إنما يقال في العبادات التي تخفى مصالحها عن مجارى العقول والعادات. أما مصلحة سياسة المكلفين في حقوقهم فهي معلومة لهم بحكم العادة والعقل، فإذا رأينا دليل الشرع متقاعدا عن إفادتها، علمنا أنا أحلنا في تحصيلها على رعايتها)
ويعلل الطوفي التفريق بين العبادات والعادات؛ بأن الأولى: حق خالص لله، فلا تعرف إلا من جهته. والثانية: حق العباد، فتعرف من جهتهم لا من جهة الشرع، يقول: (إن الكلام في أحكام الشرع إما أن يقع في العبادات والمقدرات ونحوها، أو في المعاملات والعادات وشبهها، فإن وقع في الأول اعتبر فيه النص والإجماع ونحوهما من الأدلة) ثم يقول : (وأما المعاملات ونحوها فالمتبع فيها مصلحة الناس)
وهذا الكلام يوشي؛ لأنه يوشي بوضوح بأنه حيثما وجدت المصلحة في باب العادات اتبعت؛ سواء وافقت الشرع أم خالفته. وقد أفصح الطوفي عن نزعته العقلانية المقدمة على النصوص، وأكدها في موضع آخر بقوله: (وإنما اعتبرنا المصلحة في المعاملات ونحوها دون العبادات وشبهها؛ لأن العبادات حق للشرع خاص به، ولا يمكن معرفة حقه كما وكيفا وزمانا ومكانا إلا إذا امتثل العبد ما رسم له سيده، وفعل ما يعلم أنه يرجيه، فكذلك هـاهنا، ولهذا لما تعبدت الفلاسفة بقولهم ورفضوا الشرائع أسخطوا الله عز وجل ، وضلوا وأضلوا، وهذا بخلاف حقوق المكلفين، فإن أحكامها سياسية وشرعية وضعت لمصالحهم، وكانت هـي المعتبرة، وعلى تحصيلها المعول)
ومعلوم أن المصالح المرسلة التي قال بها الإمام مالك هـي التي لم يرد فيها نص بإثبات أو نفي، وتندرج ضمن مقاصد الشرع الخمسة من: حفظ الدين، أو النفس، أو العقل، أو النسل، أو المال. فالمبالغة في الأخذ بالمصالح المرسلة لا يعني الأخذ بالمصلحة ولو خالفت النص في كل ما يراه العقل محققا لفائدة ومنفعة للناس.
والخلاصة: إن ضابط المصلحة الوحيد عند الطوفي أن تكون معقولة المعنى بالعادة، ومحققة لمنفعة العباد؛ سواء وافقت النص أو خالفته؛ لأن النصوص قد تكون -حسب رأيه- مبهمة وقاصرة عن الإحاطة بمصالح الناس. هذه أبرز معالم النزعة العقلانية عند الطوفي
إن نظرية الطوفي مبنية على الثقة بالعقل ، وأنه قادر على إدراك مصلحة العباد، أمام اتهام النص بالإبهام والقصور.
---------------------

ومن المعلوم، في جميع الأديان، يكيف الناس معتقداتهم ومبادئهم مع الظروف (حتى لو لم يعترفوا بذلك دائمًا): ويبحثون عن دليل في النص المقدس، لكنهم قد يستشهدون بهذا المقطع وينسون آخر، أو يفهمون نفس المقطع في طرق ومناحي مختلفة. وبقدر ما كان التقليد القانوني في الإسلام المبكر في كثير من الأحيان عمليًا للغاية وكان قادرًا على إضفاء الشرعية على حالات لا تتوافق حقًا مع المثل الإسلامية، يمكننا أن ندرك قدراته الرائعة جدًا على التكيف. لكن تكيف الدين لا يعني بالضرورة أن المجتمع يصبح علمانيًا.

______ يتبع : هل إمكانية استخدام النصوص التأسيسية (القرآن والسنة، مقروءة بالاجتهاد) ستؤدي إلى إسلام ديمقراطي وليبرالي؟_____________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اكتشاف موقع معركة القادسية في العراق.. تلك النقطة المفصلية ف


.. القمة العربية والإسلامية في الرياض تطالب مجلس الأمن بإلزام إ




.. يهود فرنسا يطالبون ماكرون بمنع سموتريش من دخول البلاد.. ما ا


.. 7 سنوات من العنـ, ف والدمـ ـ ـاء .. جر, ائم الإخوان لح, ـرق




.. هل يدرج ترامب الإخوان كمنظمة إرهابية مجدداً ؟